09‏/02‏/2017

بر الوالدين

درس عن بر الوالدين
لفضيلة الشيخ محمد صالح المنجد 

 ✅ بر الوالدين من أعظم الأعمال الصالحة بعد توحيد الله سبحانه وتعالى وفي الشرع الحنيف من الآيات والأحاديث ما يدل على هذا الأمر وفضله وفي قصص السلف أمثلة رائعة للبر بالوالدين
وفي الإسلام تتعدد صور البر وأشكاله للوالدين قبل الوفاة وبعدها لكن نرى في هذا العصر بعض التصرفات والصور المخالفة لبر الوالدين فنجد العقوق والإيذاء


بر الوالدين في القرآن
بين الله سبحانه وتعالى أهمية بر الوالدين لما عطف الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك على بر الوالدين
 فقال عزوجل: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [النساء36]
 وقال عزوجل: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء23] وقرن شكره بشكرهما فقال 
الله: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان14] وقال عزوجل: { وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً 
عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان14] وامتدح الله عبده يحيى فقال: { وَكَانَ تَقِيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ 
جَبَّاراً عَصِيّاً } [ مريم13 14] وكذلك حدث عيسى عن نفسه في المهد بأن الله عزوجل جعله مباركا فقال: 
{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } [مريم:31-32] وقال سبحانه وتعالى: { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } [الإسراء:24] فيه بيان أن بر الوالدين أعظم من بر الأصحاب لأن الله قال في الأصحاب: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء:215]، وقال في بر الوالدين:
{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ } [الإسراء:24] ولا شك أن خفض جناح الذل من الرحمة أبلغ من مجرد خفض الجناح ولذلك فإن هذه الآيات في سورة الإسراء: { فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } حتى هذه الكلمة اليسيرة التي تعبر عن الزجر لا تقلها أولا تقل أي عبارة تدل على الاستقذار والاحتقار فأخذ الله علينا ألا نؤذي الآباء ولا الأمهات بأقل القليل ولا بكلمة [أف] { وَلا تَنْهَرْهُمَا } [الإسراء:23]
 فلا يزجرهما بكلام ولا بحركة اليد في وجوههما بأي طريقة تؤذي: { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } [الإسراء:23] فلا تُسميهم وتقل: يا فلان ولا تغلظ عليهما بالقول او بالسب والشتم وإنما تناديهم بالقول اللطيف قال ابن المسيب رحمه الله في قوله تعالى: { وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } [الإسراء:23] هو قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ 

بر الوالدين في السنة 
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع كثيرة فقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن للجنة أبواباً وأن أوسط أبواب الجنة هو طاعة الوالد فقال عليه الصلاة والسلام [ الوالد أوسط أبواب الجنة] وقال عليه الصلاة والسلام [ رضا الرب من رضا الوالدين وسخطه في سخطهما] وقد دعا على من يدرك والديه فلا يبرهما فقال [ رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة] وكذلك أمن على دعاء جبريل لما قال[ يا محمد! من أدرك أحد أبويه فمات فدخل النار فأبعده الله قال: قل: آمين فقلت: آمين] وبين النبي أن الجنة تحت رجل الوالدة فقال للصحابي [ الزم رجلها فثم الجنة ] وقال[ الزمها فإن الجنة تحت أقدامها] يعني الوالدة وأخبر النبي أن الذي يخرج من بيته يسعى على والديه فإنه في سبيل الله أجره مثل أجر الخارج في سبيل الله كما في حديث كعب بن عجرة عند الطبراني وهو حديث صحيح قال  الرسول صلى الله عليه وسلم [ إن كان خرج يسعى على صبية صغاراً فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ] 


⇦ بر الوالدين عند الصحابة والسلف 
وأما سلفنا فإن الأنبياء قد ضربوا المثل وكذلك الصحابة والتابعين فهذا نبي الله إسماعيل ابن نبي الله إبراهيم 
{فلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } [الصافات:102] فلما أطاق الفعل والمساعدة فرأى إبراهيم الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق صبر هو وأبوه وصبر الولد على رؤيا الأب التي هي وحي مع أن العلاقة بينهما كانت شديدة جداً ففي صحيح البخاري [ لما جاء إبراهيم ليرى إسماعيل بعد فترة طويلة من الغياب فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد] وكذلك فإنه قد ساعده في بناء الكعبة وهو من أعظم الأفعال على مر التاريخ.كذلك إسحاق مع إبراهيم ويعقوب مع إسحاق ويوسف مع يعقوب{ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ  } [آل عمران:34] وكذلك لقمان مع ولده وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم ضربوا الأمثال فهذا ابن عمرو عمر وبره به معروف وابن عمرو وعمرو بن العاص وبره به معروف وهذه عائشة وأبوها وجابر وأبوه كل واحد من هؤلاء له قصص تدل على بره بأبيه وقيس بن سعد بن عبادة وأبوه سعد بن عبادة  والحسن والحسين وأبوهما علي  ومحمد بن طلحة بن عبيد الله سمي بـالسجاد من كثرة عبادته هو وأبوه والزبير وابنه عبد الله  وعبد الله بن عباس وأبوه العباس وغيرهم من الصحابة آباء وأبناء كانوا بررة رضي الله تعالى عنهم وقد كان الصحابة يُفدون النبي صلى الله عليه وسلم بآبائهم وأمهاتهم دلالة على أن من أغلى الأشياء عندهم الآباء والأمهات وهؤلاء التابعون الذين ساروا على منوالهم فهذا أويس القرني الذي حبسه اشتغاله بأمه وبره بها عن السفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففاتته الصحبة لكنه كان مقيماً على طاعة أمه وبره بها وقد احتبس معها في اليمن قائماً عليها وهو الذي مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله [ خير التابعين أويس ] .. [ يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم الله عزوجل يذكره به حتى لا ينسى نعمة الله عليه له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ] فطلب منه عمر أن يستغفر له وطلب منه الناس فلما أحس بذلك هرب منهم رحمه الله تعالى وهذا ابن عمر كان باراً بأبيه بعد موته أعطى حماره وعمامته لأعرابي كان أبوه صديقاً لـعمروأيضاً كان السلف من التابعين لهم مواقف فهذا مسعر بن كدام رحمه الله كانت أمه عابدة وكان يحمل لها لداً [ شيئاً مثل البساط تصلي عليه]  ويمشي معها حتى يدخلها المسجد فيبسط لها اللد فتقوم فتصلي ويتقدم إلى مقدمة المسجد فيصلي ثم يجلس ويجتمع إليه من يريد فيحدثهم كان من العلماء لكن هذا العالم كان يأتي بأمه معه إلى المسجد فيفرش لها السجادة تصلي ثم ينصرف إلى درسه فإذا انتهى حمل لدها وانصرف معها وكان زين العابدين من سادات التابعين كثير البر بأمه حتى قيل له: [ إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة؟ فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها ] وعبدالله بن عون نادته أمه من بعيد فأجابها من بعيد فعلى صوته صوتها  فأعتق رقبتين وكان هؤلاء رحمهم الله يحتسبون الأجر في برهم لآبائهم وأمهاتهم قال محمد بن المنكدر [ بت أغمز رجل أمي وبات عمي يصلي ليلته فما تسرني ليلته بليلتي ولا أظن أني أستبدل عملي هذا ولو بقيام الليل] وكان حيوة بن شريح وهو من كبار العلماء يجلس في حلقته يعلم الناس فتقول له أمه [ قم يا حيوة  فألقي الشعير للدجاج، فيقوم فيطعمهم ثم يرجع ] وكان عروة بن الزبير يقول في سجوده: [ اللهم اغفر للزبير بن العوام وأسماء بنت أبي بكر] وكان أبو يوسف الفقيه يقول [ اللهم اغفر لأبوي ولـأبي حنيفة ] وكان طلق بن حبيب يقبل رأس أمه وكان لا يمشي فوق ظهر بيته وهي تحته إجلالاً لها ودخل أحدهم مع أبيه السجن فاحتاج الأب لماء مسخن فمنعه السجان من الحطب فقام الولد إلى إناء فأدناه من المصباح فظل واقفاً حتى الصبح كي يجهز لأبيه ماء دافئاً

فوائد من بر الوالدين 
فوائد برالأبوين فإنها كثيرة ولا شك
١ /نيل مرضاة الله سبحانه وتعالى í
على رأسها مرضاة
الله سبحانه وتعالى والدخول من ذلك الباب العظيم من أبواب الجنة وهو باب الوالد وكذلك كسب برالأبناء في المستقبل لأن من بر بأبيه وأمه بر به أبناؤه 
٢إجابة الدعاء  
ومن أعظم فوائد بر الوالدين: إجابة الدعاء كما عنون الإمام البخاري في صحيحه [ باب إجابة دعاء من بر والديه ] ثم ذكر حديث الثلاثة أصحاب الغار[ قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأة ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم حلبت لهما فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل صبيتي وإنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحِلال وقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي 

( يصيحون ويبكون من الجوع ) فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ففرج الله منها فرجة فرأينا منها السماء] 
٣كفارة عظيمة للذنوب   
كذلك فإن بر الوالدين كفارة عظيمة للذنوب عن ابن عمر: أن رجلا أتى النبي صل الله عليه وسلم فقال

[ يا رسول الله إني أصبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أم؟ قال: لا قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم. قال: فبرها ] [ أخرجه الترمذي ]  وكذلك عند البخاري في الأدب المفرد [ أن ابن عباس أتاه رجل فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه فغرت عليها فقتلتها فهل لي من توبة؟ قال: أأمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله عز وجل وتقرب إليه ما استطعت فذهب الرجل فسألت ابن عباس :  لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عزوجل من بر الوالدة] رغم أن هذا قاتل وكذلك جاء عن عائشة في قصة المرأة التي عملت السحر في دومة الجندل وقدمت المدينة تسأل عن توبتها تقول عائشة : [ فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم] لأنها جاءت على وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت تستفتي عن الكفارة تقول عائشة : [ لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها ] ( أي: بالجواب) حتى إني لأرحمها تبكي فروت قصة السحر وهي تقول لـعائشة : [ إني لأخاف أن أكون هلكت سُقط في يدي وندمت والله يا أم المؤمنين  ما فعلت شيئا قط ولا أفعله أبدا ] فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم فما دروا ماذا يقولون لها وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم إلا أنهم قالوا: [ لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك]

صور بر الوالدين وأشكاله 
وأما صور البر وأشكاله فإننا معشر المسلمين نبر بآبائنا وأمهاتنا دائماً هكذا يجب علينا أما الكفرة فإنهم قد اخترعوا عيدا بدعيا محرما هو عيد الأم ويقدمون فيه لأمهاتهم علبة من الحلوى أو هدية يوما في السنة ثم يهجرونها ويعصونها في سائر الأيام وليس عندنا ولله الحمد عيدا يسمى عيد الأم وإنما نحن نبر بالأم طيلة العام وكل أيام السنة ولا نحتاج إلى عيد وصور البر وأشكاله كثيرة فمن ذلك 
 ⇦ صور بر الوالدين قبل وفاتهما 
إحسان القول الذي يدل على الرفق والمحبة وتجنب غلظة القول وعدم رفع الصوت فضلا عن ترك السباب والشتائم والمناداة بأحب الألفاظ إليهما ولا يناديهما باسمهما يقول: [ يا فلان أويا فلانة ] بل يقول [ يا أبي يا أمي ] وكذلك تعليمهما ما يحتاجان من أمور دينهما ودنياهما وطاعتهما فيما يأمرانه به فإن كان ما أمراه به واجبا فإنه يزداد وجوبا وإن كان مستحبا يصير واجبا وكذلك إن كان مباحا في الشريعة لا يحصل فيه ضرر واجب فعليه أن يطيعهما ولا يحاذيهما في المشي بل يتأخر عنهما إلا في حالة الظلام وخشية الأذى فإنه يمشي أمامهما ليستكشف الطريق ويستأذن عند الدخول وعند الخروج وعند الجلوس وعندما يطعنان في السن ويكبران ينبغي أن يزداد الرفق بهما لحاجتهما إلى المساعدة وكم من عائلة فيها أب كبير أو أم مشلولة تحتاج إلى تغيير ويحتاج الأب إلى إزالة نجاسة ونحو ذلك فعند ذلك لا يثبت على هذه الخدمة إلا من عصم الله قلبه وثبته لأن كثيرا من الناس يأنفون ويتأففون وهي قد كانت تزيل الأذى والنجاسة عنك وأنت صغير وهي فرحانة وأنت لو أزلت النجاسة عنها وهي كبيرة فإنك تزيله وأنت قرفان فشتان شتان بينها وبينك وكذلك لا يحد النظر إليهما ما بر بأبويه من أحد النظر إليهما وأن يكون عندهما خاشعاً ذليلاً وكذلك يستأذنهما في السفر ويقوم لهما لو دخلا عليه ويقبل اليد والرأس ويدعو لهما حيين وميتين وكما قال الله عزوجل { وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [الإسراء:24] وكما قال نوح عليه السلام { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28] وينبغي عليه أن يسعى في إرضائهما وأن يتحمل المشاق في ذلك وأن يجاهد نفسه فقد روى البخاري عن أبي بردة قال: [سمعت أبي يحدث أن ابن عمر شهد رجلا يمانيا يطوف بالبيت يحمل أمه وراء ظهره يقول: إني لها بعيرها المذلل إن أذعر ركابها لم أذعر ثم قال لـابن عمر : أتراني جزيتها؟ قال: لا. ولا بزفرة واحدة] وفي رواية: [شهد ابن عمر رجلاً يمانياً يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول: إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر الله ربي ذو الجلال الأكبر حملت أكثر مما حملت فهل ترى أني جازيتها يا بن عمر ؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة] وفي رواية: [لا ولا بطلقة واحدة ولكن أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً] فهذه آلام الطلق التي تعرضت لها الأم من يجازيها عليه وحديث عبد الله بن عمرو قال: 
[ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه فقال: جئت لأبايعك على الجهاد وتركت أبوي يبكيان قال: ارجع إليهمافأضحكهما كما أبكيتهما ] أيضاً في قصة كلاب المشهورة وهو ولد أمية بن أشكر وهذا رجل أدرك الجاهلية والإسلام وابنه كلاب من وجهاء وسادات المسلمين وقد استعمل عمر رضي الله عنه كلاباً على أيلة  وكان قد خرج مع المسلمين في الجيش وصار أميراً على أيلة لـعمر فاشتاق الأب لـكلاب يوماً من الأيام فقال: [ لمن شيخان قد نشدا كلابا كتاب الله لوعقل الكتابا يناديني فيعرض في إباء فلا وأبي كلاب ما أصابا إذا سجعت حمامة ببطن واد إلى بيضاتها أدعو كلابا تركت أباك مرعشة يداه وأمك ما تسيغ لها شرابا فإنك والتماس الأجر بعدي كباغي الماء يلتمس السرابا ] ثم سمع عمر بالقصة فاستنشد الشعر منه فأنشده له فرق للأب وأنفذ خلف كلاب أن يقبل فقدم ووصف بره لأبيه وأنه كان يحلب له في الإبل وكان الأب غير موجود فقال له عمر [ احلب لبناً ] فحلبه الولد وحضر أمية وكان لا يرى الولد فسقاه عمر من الإناء الذي حلبه ولده في غيبته وهو لا يراه فقال الأب: [ إني لأشم رائحة يدي كلاب ] فبكى عمر وقال: [ هذا كلاب ] فضمه إليه وقال عمر [ جاهد في أبويك] وبر الوالدين مراتب وقد ضرب بعض العلماء مثلا قال [ لو أن الولد أحضر في بيته طعاماً مستلذاً يشتهيه وأبوه غائب فأرسل الولد خلف أبيه يدعوه إلى الطعام كان براً شاكراً ولو أرسل خلفه دابته لكي يأتي الأب عليها كان في الشكر منه أدخل ولو ذهب خلفه بنفسه كان في البر أجزلفإن أمر الغلام بطرح الماء على يديه ليغسل فقد بره وشكره وإن كان بنفسه طرح الماء على يده ليغسل الأب كان أبر وأشكر ] صحيح أن الولد قد لا يأثم بإهمال هذه الأشياء مثلا لكن الذي يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب

  صور بر الوالدين بعد وفاتهما 
وأما بعد الوفاة فإن ما يمكن عمله للأب والأم كثير جداً ومن أهم ذلك: الاستغفار والدعاء كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له] وقال النبي صلى الله عليه وسلم [ إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك] [ رواه أحمد ]  فتأمل ربما تكون أنت سبباً في رفع درجة أبيك في الجنة وكذلك الصدقة فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم [ إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم. قال: فإن لي مخرفاً -فستان- فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها] وعن عائشة رضي الله عنها [ أن رجلاً قال: إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولي أجر؟ فقال: نعم. فتصدق عنها]
[ رواهما البخاري ] طبعا هذا بالإضافة إلى إنفاذ الوصية وإحسان التجهيز والكفن والصلاة والدفن والدعاء والحج عنه إذا لم يحج والعمرة عنه إذا لم يعتمر وحتى لو حج واعتمر فإنه يشرع له أن يحج عنه ويعتمر ولا بأس بذلك وبالإضافة إلى ذلك يقضي دينه وهذا من أعظم ما يقدمه الأبناء نحو آبائهم وأمهاتهم أن يبادروا إلى قضاء ديونهم ومن الأمور كذلك: صلة أصدقاء الأبوين قال النبي صلى الله عليه وسلم [ إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد وفاة الأب] وقال عليه الصلاة والسلام [ من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده ] فإذا أردت صلة لأبيك المتوفى فصل أقرباءه أو صل أصحابه وأصدقاءه بعد موت الأب زرهم وتفقدهم ولو بهدية وعن أبي بردة قال
[ قدمت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لم أتيتك؟ قلت: لا. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده وإنه كان بين أبي عمر وأبيك إخاء وود فأحببت أن أصل ذلك] وهذا أمر يكاد أن يكون مفقوداً لأن الشباب والأولاد يصلون ويزورون أقرانهم وينسون أصحاب الأب وأقرباءه وكذلك صاحبات الأم يمكن أن يتفقدها بهدية أو إرسال سلام ونحوه 
إيذاء الوالدين وعقوبة العقوق 
أما عقوق الوالدين فهو شنيع شنيع شنيع وإيذاء الوالدين من أعظم الكبائر قال النبي صلى الله عليه وسلم 
[ لعن الله من لعن والديه] ولو بطريق غير مباشر كأن يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه فيكون هو المتسبب في إعادة اللعنة والسب على أبيه وأمه لأنه عندما سب أبوي الآخر أخذت الآخر العزة بالإثم فسب أبويه فهذا الساب أعاد السب على أبويه بسببه هو وبعض الناس لا يكتفي بالعقوق أو معصية الأبوين وإنما يجاهر بالسوء والفحشاء فيقنط ويقهر أبويه ويرفع الصوت ويتأفف ويقول لأحدهما[ أراحنا الله منك وأخذ بعمرك وعجل بزوالك يا شيبة النحس ويا عجوز الويل] وحاله وحال أبيه كما قيل [ أريد حياته ويريد موتي ] وربما يصل العقوق إلى درجة أن يتمنى الوالد أنه لم يلد له هذا الولد وربما لو كان عقيما كان أحسن وقد ينهب بعضهم مال أبيه وربما طرد أباه من البيت ويمنع عنه النفقة وقد يضربه وقد يحجر عليه وقد يقول لأبيه [ قد أخذت حقك واستوفيت أجلك وسئمتك الحياة وملك الزمان يا ليتك تموت ولم تحمل ] قال الحسن [انتهت القطيعة إلى أن يجابي الرجل أباه عند السلاطين أي: يخاصمه في المحاكم ] وخصوصاً إذا كان بغير حق وهذا العقوق لو صادف دعوة من الأب أومن الأم على الولد فإن دعاء الأب على ولده ودعاء الأم على ولدها مستجاب ما بينها إلا مسافة تقطع في لمح البصر تصعد دعوة المظلوم إذا كان أبا أوأما إلى السماء فيجيب الله عزوجل
ذُكر أن شابا كان مكباً على اللهو واللعب لا ينفك عنه وكان له والد صاحب دين كثيرا ما يعظ
هذا الابن ويقول له:  [ يا بني احذر هفوات الشباب وعثراتهم فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد ] وكان إذا ألح عليه زاد له في العقوق وجار على أبيه ولما كان يوم من الأيام ألح على ابنه في النصح فمد الولد يده على أبيه فحلف الأب بالله مجتهدا ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعوو على ولده فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:[ يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا عرض البسيطة من قرب ومن بعد إني أتيتك يا من لا يخيب مـن يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد هذا منازل لا يرتد من عقق فخذ بحقي يا رحمان من ولدي وشل منه بحول منك جانبه يا من تقدس لم يولد ولم يلد ] فقيل: إنه ما استتم كلامه حتى يبس شق ولده الأيمن [ ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الوالد على ولده ] [ ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده ]
فيستجاب دعاء الأب والأم على الولد أو للولد فكن باراً تنل دعوة مستجابة  
والذي يعق والديه لا شك أنه لا يقدر ما حصل منهما تجاهه وليس عنده عرفان ولا شكر جميل
 ولا اعتراف بالنعمة ونحن الآن مع قرب قيام الساعة زيادة في عقوق الأبناء لآبائهم فيقدم رجل زوجته على أبيه وأمه ويبر صديقه ويجفو أباه ولا حول ولا قوة إلا بالله ولكن هذه المسألة دين ووفاء وأن من عق أباه وأمه أرسل الله عليه من أبنائه من يعقه ويعاقبه
ذُكر أن عاقا كان يجر أباه برجله إلى الباب فعاقبه الله بأن كان له ولد يجره برجله إلى 
الشارع، فيقول الأب [ حسبك ما كنت أجر أبي إلا إلى الباب فيقول الولد: هذه الزيادة صدقة مني عليك ] وبعضهم يتكبر على أبويه خصوصاً إذا كان صاحب شهادة علمية أو جامعية والأب فلاح أو فقير أوعامي أوأمي
ومثل ذلك هذه قصص واقعية
جاء رجل من الخارج معه شهادة عليا وجاءه أصحابه يزورونه في البيت في بلده وكان أبوه
مزارعا فقيرا وهيئته هيئة فلاح فقير فلما دخلوا عليه في البيت خجل أن يقول لهم هذا القروي هذا أبي فقال: هذا خادم عندي
 إنسان أخذ من أمه عشرين ألفا لم يرجعها والثاني أخذ اثنا عشر ألفا ولم يرجعها فلما طالبت الأول قال: [ أنت سكنت في البيت عندي ثلاث سنوات تأكلين وتشربين اعتبري العشرين ألفا هذه إيجار ثلاث سنوات ونفقة الأكل والشرب]
بنت تطلب منها أمها نقودا تقول: [ لا أعطيك ولو سألتيني مرة ثانية لا أدخل بيتك] 
والذين يضعوا آباءهم وأمهاتهم في مصحات ودور الرعاية حتى صار الحال أن يفتخر الأب أمام
  الآباء الآخرين في دار الرعاية أن ابنه يزوره مرة في الشهر وأنه إذا ما استطاع أن يزوره مرة في الشهر يتصل به هاتفيا
وغير ذلك من القصص في الواقع لأننا نحن نقلد الكفرة ونسير وراءهم وينبغي أن ينتبه حتى الشباب المتدين إلى برهم بآبائهم وأمهاتهم فبعضهم يستخدم الشدة في الكلام وصفق الأبواب ورفض الخدمة وجلب الأغراض فضلاً عن أولاد السوء الذين يعملون أكثر من هذا بكثير كما ذكرنا وبعض الأولاد يقاطعون آباءهم لأمور دنيوية فإذا رفض الأب أن يشتري له سيارة فإنه يقاطعه ولا يكلمه 
الموقف من الأب المشرك والأم الكافرة 
أما بالنسبة للموقف من الأب المشرك فإن الآيات والنصوص قد جاءت في تبيان هذا وعلى رأس الأمثلة فصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً [مريم41 45] بالرغم من صلافة الأب وشدته قال ﴿ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً [مريم46] بالرغم من هذا كان موقف الابن إبراهيم عليه السلام في غاية اللطافة ﴿ قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً [مريم 47 ] وهذا إبراهيم اهتم بأبيه وتلطف معه في الخطاب وهو كافر وهو يقول: يا أبت! في غاية التأدب ولم يقل له: أنا أعلم منك وأنت جاهل وأنا عالم وإنما قال ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ [مريم:43] وهو النبوة وكذلك بين له بالحجة والدليل ولم يقل افعل ولا تسأل لماذا؟ ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:42] وهو يبدي شفقته على أبيه في أثناء الخطاب والدعوة ويقول ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ [مريم:45] فتأمل في هذا الخطاب ما أحسنه! وما ألطفه!
مع كون الأب كافر من أعداء إبراهيم وهذه قاعدة المعاملة قد جاءت بها النصوص الشرعية عندما قال الله عزوجل﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [لقمان:15] أي: ليس فقط إذا كان كافراً أو مشركاً وإنما حتى لو أمرك بالشرك ماذا تفعل؟ ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا [لقمان:15] لأن طاعة الله مقدمة ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] مع أنهما يأمران بالشرك ويأمران بالكفروفي صحيح مسلم عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال [ حلفت أم سعد ألا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله أوصاك ] انظر إلى الحرب النفسية من الأم المشركة لولدها المسلم- [ أوصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا قال: فمكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية] وكانت تريد أن يعير بها فيقال: يا قاتل أمه! بقيت لا تأكل ولا تشرب لكنه بيّن ثباته على العقيدة وأنه لن يتزحزح عن دينه وكذلك من الأصول الشرعية في معاملة الوالدين إذا كانا على الكفر قول الله عز وجل﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8] ولذلك جاء في صحيح البخاري عن أسماء قالت:
[ قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهد النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيها فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة في صلتي -راغبة في زيارتي أن أكرمها- وهي مشركة أفأصلها؟ قال: نعم صلي أمك ] لا يمنع ذلك فالوالدان لهما أحكام واستثناءات خاصة وقال ابن جرير رحمه الله [ بر المؤمنين للكافرين للقرابة لا يحرم إذا لم يكن فيه التقوية على الحرب بكراع أو سلاح أو دلالة على عورة أهل الإسلام لحديث أسماء]  فهذا هو الموقف من الأب والأم الكافرين والمشركين 
الموقف من الوالد الفاجر والوالدة العاصية 
إذا كان الأبوان فاجرين أو فاسقين قد يوجد للإنسان أب فاسق أو أم فاجرة ونحو ذلك فعليه أن يدعوهما إلى الله ويأمرهما بالمعروف وينهاهما عن المنكر قال الإمام أحمد [ يأمر أبويه بالمعروف وينهاهما عن المنكر إذا رأى على أبيه أمراً يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة ولا يغلظ له بكلام وإلا تركه وليس الأب كالأجنبي ]  وقال [ إذا كان أبواه يبيعان الخمر لم يأكل من طعامهم ويخرج عنهم وسأل رجل أبا عبد الله : إن أباه له كروم -بساتين عنب- يريد أن يعاونه على بيعها؟ قال: إن علمت أنه يبيعها ممن يعصرها خمراً فلا تعاونه ] إذاً: الأب والأم إذا كانا فاجرين فاسقين عاصيين لا يعينهما الولد في المعصية وأحياناً يصل الأمر ببعض الحالات أن يكون الأمر في غاية الوقاحة وهذه قصة واقعية [ بنت اكتشفت أن أمها -والعياذ بالله- تفعل الفاحشة فنبهتها ووعظتها والأم تقول: لا تغضبيني وتؤلف من عندها كلاماً تقول: الأم إذا كانت زانية تغسلها بنتها من جنابة الزنا -أي: إنه يجب عليكِ أن تبري- ] فعليها أن تعظها وتذكرها بالله وتبين لها بالأدلة والآن الفساد في المجتمع له حالات كثيرة فتجد فسق الأبوين مع صلاح الأولاد فتداخلت الأمور والأشياء واختلف الأمر عما كان في الزمان الأول والهداية إذا شملت كثيراً من الشباب والحمد لله فإنه قد ينتج أنه يكون هناك مفارقات في البيت فينبغي أن يكون الموقف حكيماً والتبيان حاصل ولو استدعى الأمر واستعان بأقرباء أو التنبيه لأنه قد يكون واجباً تبليغ زوج هذه المرأة بحالها حتى يقوم عليها فعند ذلك يبلغ ولا يعتبر من العقوق 
  تعارض بر الأب مع بر الأم 
إذا تعارض بر الأب مع بر الأم فنحن نعلم أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الأبوين بالنسبة للمرأة إذا تزوجت لكن بالنسبة للأحوال الأخرى إذا تعارضت طاعة الأب مع طاعة الأم نظرنا: إن كان أحدهما يأمر بطاعة والآخر يأمر بمعصية قدمنا صاحب الطاعة وإن تعارض أمرهما وكلاهما يأمران بمعصية عصيناهما كليهما مثل أن يقول الأب: لا تكلم أمك وتقول الأم: لا تكلم أباك كل منهما يأمر بمعصية وكل منهما يأمر بأمرٍ فيه خلاف لأمر الآخر فما هو الحل؟ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وكذلك لو قال لك أبوك مثلاً: لا تكلم خالك أو عمك أو قالت لك أمك: لا تكلم خالتك ماذا تفعل؟ تكلم خالتك سراً وتكلم عمك سراً فتصل الرحم ولا تعصيها في ظاهر الأمر أي: يسهل عليك ألا تغضبها وإذا تعارضا تعارضاً ليس فيه معصية لكن لم تستطع أن تصلهما جميعاً مثل الإنفاق ما عندك إلا مال قليل لا يكفي إلا لواحد منهما فالأم مقدمة على الأب في البر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها ثلاثاً ويحاول التوفيق ما أمكنه كذلك إذا كان كل واحد منهما أمراه بأمرٍ في نفس الوقت فإنه يحاول التوفيق ما أمكنه ذلك بكل طريقة يفرغ وسعه وجهده لهذا الأمر كما قال رجل لـمالك [ والدي في السودان كتب لي أن أقدم عليه وأمي تمنعني من الذهاب تقول: ابق عندي ] فقال الإمام مالك [ أطع أباك ولا تعص أمك ] معناه: أن يجتهد في إقناع أحد الطرفين أو ماذا يفعل؟ يأخذ أمه ويذهب إلى أبيه ومعنى كلام مالك رحمه الله: المبالغة في إرضاء الطرفين والأم لها ثلثي البروكذلك من المسائل التي تكلم فيها العلماء: لو أن الأم أرادت الولد شاهدا أو يترافع عنها في المحكمة ضد الأب لأن الأب يقصر مثلاً في النفقة ونحو ذلك فقال بعض العلماء: [ لا يترافع الابن وإنما يبقى خارج النوبة ] وبعضهم قال[ إذا كانت مظلومة يترافع لها ضد أبيه مع الإحسان للأب وإنما المعاملة من باب أنها تمشي الأوراق ]  
 حكم طاعة الوالدين في ترك الواجبات 
بالنسبة لطاعة الوالدين في ترك الواجبات فإن العلماء قالوا [ إنه لا يُطاع الوالدان في ترك الواجبات مطلقاً ] مثلاً: لو أمراه بترك فريضة أو قالا له: أخر الحج فأنت صغير الآن عمرك خمس عشرة سنة أو سبع عشرة سنة فلا يطيعهما أو إذا ملك الزاد والراحلة والقدرة فلا يطيع لأن الحج واجب على الفور فإذا استطاع الحج لا يطيعهما مع لينه لهما وكذلك سئل الأوزاعي [ عن رجل تمنعه أمه عن الخروج إلى الجماعة والجمعة؟ ] فقال[  ليطع ربه وليعص أمه في ذلك ] وروى البخاري عن الحسن قال [ من منعته أمه عن العِشاء في الجماعة شفقة عليه فلا يطعها لو قالت: يا ولدي! برد والمسجد بعيد فصلاة الجماعة واجبة والولد بقدرته أن يذهب وليس هناك خوف عليه لا من اختطاف ولا من قتل ولا من حرب ولا من سباع فإنه يذهب إلى الجماعة ] 
 حكم طاعة الوالدين في فعل المحرمات 
أما بالنسبة إذا أمراه في فعل المحرمات فإنه لا يطيعهما في ذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق هارون بن عبد الله يقول [ جاءني فتى فقال: إن أبي حلف علي بالطلاق أن أشرب دواء مع مسكر قال: فذهبت به إلى أبي عبد الله -الإمام أحمد - فأخبرته أن هذا الأب يأمر ولده بأن يشرب الدواء مع مسكر فقال الإمام أحمد  قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام ] ولم يرخص له وقال الإمام أحمد في رواية الحارث [ في رجل تسأله أمه أن يشتري لها ملحفة للخروج؟ قال: إن كان خروجها في بابٍ من أبواب البر كعيادة مريض أو جارة أو قرابة لأمر واجب لا بأس وإن كان غير ذلك فلا يعينها على الخروج ] فلو قالت: خذني على حفلة لفتاة وأنت تعلم أن فيها منكرات  فإنه لا يجوز لك أن تذهب بها مع التلطف  ولو دعت عليك وفي رواية عن الإمام أحمد [ أنه سئل عن رجل يكون له والد يكون جالساً في بيت مفروش بالديباج -يعني: الحرير والحرير حرام- الأب يقول للولد: ادخل علي والأب جالس على الأريكة وأمامه بساط من الحرير؟ قال الإمام أحمد  لا يدخل عليه، قلت: يا أبا عبد الله ! والده، قال: إلا إذا دخل يلف البساط من تحت رجليه ويدخل، المهم ألا يطأ الحرير] ومن الدقائق التي ذكرها أهل العلم كذلك ما ذكره الملا علي قاري في شرح الفقه الأكبر قال [ لو كان لمسلم أم أو أب ذمي فليس له أن يقودهما إلى البيعة، لأن ذهابهما إلى البيعة معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ] لكن لو قالا له: إذا كانت لا تريد أن تأخذنا فنحن نذهب في سيارة أجرة لكن ارجع لنا عند موعد الخروج من الكنيسة هل يذهب ويأتي بهما أم لا؟ الجواب: أما إيابهما منها إلى منـزلهما فأمر مباح فيجوز له أن يساعدهما ولعل آخر رجوعهما عن البيعة إلى المنـزل يوفق الله للتوبة

وختاماً: فإنا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم البر بآبائنا وأمهاتنا وأن يجعلنا من القائمين بحقوقهما والعاملين على إرضائهما في طاعته سبحانه والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

ليست هناك تعليقات: