19‏/07‏/2015

تفسير التوحيد









التوحيد هو أعظم الواجبات، وهو أوجب الحقوق على العبد ولهذا فالعناية به مذاكرة له، ومراجعة
 هو من أجل وأعظم القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه عز وجل، لأنه يتقرب إلى الله عز وجل
بتعلم ومدارسة ومذاكرة أعظم حق عليه ألا وهو حق الله تبارك وتعالى على العباد، ألا وهو التوحيد.

أولا تعريف التوحيد:

في اللغة 
هو مصدر وحد يوحد توحيدا، فهو يعني الإفراد، فالتوحيد في اللغة هو الإفراد.
في الشرع
 فإن التوحيد هو إفراد الله عز وجل بما يختص به، والذي يختص به الرب تبارك وتعالى هو التعظيم
والألوهية والأسماء والصفات.
هذا التعريف للتوحيد هو تعريف عام إفراد الرب تبارك وتعالى بما يختص به، والرب تبارك وتعالى يختص
بالربوبية ويختص بالألوهية ويختص بالأسماء والصفات.


من أهل العلم من عرف التوحيد بتعريف مفصل، فقال: هو إفراد الله بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
هذين التعريفين ليس بينهما اختلاف، الأول مجمل، والثاني مفصل، ولهذا في تعريف أهل العلم، الاختلاف فى
هذه العبارات والإطلاقات هو اختلاف تنوع، اختلاف اللفظ، لا اختلاف تضاد.

التعريف الثالث، من أهل العلم من فسر التوحيد، فقال: التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهذا التعريف للتوحيد
 هو تعريف له بأهم أنواعه، لأن أهم أنواع التوحيد، هو توحيد الألوهية، الذي يسمى بتوحيد العبادة.فعرف 
التوحيد بأهم أنواعه هذا العلم علم العقيدة، يسمى بعلم التوحيد، من باب تسمية الشيء بأهم أنواعه، وهكذا
هنا التوحيد يعرف بأنه إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة، وهو تعريف للتوحيد بأهم أنواعه، ومعلوم أن توحيد
الألوهية أو توحيد العبادة يتضمن النوعين الآخرين.وهذا هو التوحيد في الشرع الذي من أجله خلق الله الخلق
 من أجله أرسل الرسل، من أجله أنزل الكتب، هذا التوحيد الذي من حققه دخل الجنة، ونجا من النار بهذا المعنى
 إفراد الله بما يختص به، إفراده تبارك وتعالى بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وإفراده بالعبادة.
توحيد

أولاً :توحيد الربوبية:
هو الاعتقاد الجازم بأن الله عز وجل وحده هو الخالق لا شريك له، الرازق لا شريك له، المحيي لا شريك له
 المميت لا شريك له، المدبر لشئون خلقه لا شريك له عز وجل في ذلك.
هو توحيد الله بأفعاله عز وجل، فلا تجعل معه شريك في الخلق والأمر، والإحياء والإماتة، والرزق، ولهذا من
أهل العلم من يفسره بعبارة مختصرة، فيقول: توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله، يعني لا تجعل معه شريك
عز وجل في أفعاله، أي تعتقد بأنه سبحانه وحده الرب، لا شريك له، ولا معين له في خلقه عز وجل.
هذا التوحيد منسوب إلى توحيد الربوبية منسوب إلى الرب، والرب من له الخلق والأمر والملك، إذن هذا التوحيد
منسوب إلى الرب والربوبية، والرب من له الخلق والأمر والملك، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا رازق إلا
الله عز وجل، يدل على هذا قول الله تبارك وتعالى:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام) (الأعراف: 54)
 فقوله تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ﴾، بين الرب والإله فرق فدل على ثمة فرق بين الربوبية والألوهية
 ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ﴾ هذه الصفة الأولى، ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي
اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54]
 هذه صفات الربوبية، فكما لا خالق إلا الله، لا آمر ولا ناهي إلا هو تبارك الله رب العالمين.
ويقول تبارك وتعالى ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران: 189]
 ويقول: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: 13].

خصائص الربوبية التي لا يستحقها إلا الرب تبارك وتعالى، مثل الخلق والأمر والتدبير والإحياء والإماتة
 والرزق، فلا تصرف لغير الله، فمن صرفها لغير الله فقد جعل مع الله شريكا في الربوبية، كائنا من كان
 حتى لو صرفها لملك من الملائكة، أو صرفها لنبي من الأنبياء، فلا يجوز أن تصرف لغير الله، لا لملك مقرب
ولا نبي مرسل، فما دونهم من باب أولى، لا تصرف لأموات، لا تصرف لأشجار، لأحجار، لا تصرف للطبيعة
 فيوجد أحيانا من الناس من ينسب الحوادث الكونية أو الحوادث الأرضية للطبيعة، على أن الطبيعة هي الفاعلة
بزعمهم، أن الطبيعة هي التي تسبب هذه الكوارث والفيضانات والبراكين والكسوف والخسوف، فينسب الحوادث
إلى الطبيعة على أنها الفاعلة وهذا شرك في الربوبية، هو جعل مع الله شريكًا يصرف الكون، فمن جعل مع الله
شريك في تدبير هذا الكون أو معين أو نسبها لغير الله فقد أشرك في الربوبية، فهذا هو توحيد الربوبية.
هذا التوحيد الشرك فيه قليل، بل نادر، فلا يوجد في تاريخ البشرية السابق، من أنكر توحيد الربوبية، إلا على
جهة المكابرة والمعاندة، حتى فرعون الذي ادعى الربوبية لم يدعيها اعتقادا أنه هو الرب، وإنما دعاها مكابرة
 ولهذا قال عز وجل: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14].
المشركون الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ولم ينكروها.
والدليل .على أنهم كانوا يقرون بأن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت، يلجئون إليه في الشدائد قد حكم
الله جل وعلا بكفرهم وشركهم، فكانوا يقرون بتوحيد الربوبية، والدليل قوله تعالى:
﴿قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [المؤمنون: 84، 85]}.
لذلك هم يقرون بأن الله عز وجل هو الخالق لهذا الكون﴿قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ
قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون: 84- 87]
 ليس عندهم إشكال في هذا ﴿أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ ولَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
 سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: 87- 89]
لكنهم كانوا مشركين لأنهم أشركوا مع الله عز وجل في توحيد الألوهية.وتوحيد الألوهية في العبادة، فصرفوا العبادة
 لغير الله، أما الربوبية فيقرون بها ، وكانوا يقولون إن للبيت ربا يحميه، فكانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وهكذا الآيات
 في القرآن كثيرة التي تؤكد أن مشركي الجاهلية كانوا يقرون بهذا النوع من التوحيد. بل إبليس وهو أكثر الكفرة لا يشك
أحد في كفره، كان يقر بهذا النوع من التوحيد.توحيد الربوبية والدليل قول الله تبارك وتعالى في سورة الحجر.
﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ [ص: 76، 80]}. الشاهد.﴿قَالَ رَبِّ﴾.
إذن هو يعترف بأن الله رب، ويعترف بأن هناك بعث، ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، هذا إبليس أكفر الكفرة
 فيعترف بالربوبية، ويعترف بالبعث، و يؤمن بالجنة والنار، ولكن كان أكفر الكفرة لأنه كفر بالله إباءًا واستكبارًا
 لما أمره الله بالسجود أبى، ولهذا الكفر ليس هو إنكار الخالق فقط، أو الشك في وجود الخالق، بل يكون بالإنكار
 ويكون بالشك، ويكون بالإباء والاستكبار، ككفر إبليس، ويكون بالإعراض ككفر أبي طالب، و يكون بالنفاق ويكون
 بالشك، فلهذا إبليس وهو أكفر الكفرة كان يقر بتوحيد الربوبية.
ولهذا من الغلط أن يفسر التوحيد بتوحيد الربوبية، ويهمل توحيد الألوهية، هذا التوحيد وإن كان له أهميته، ويستلزم
توحيد الألوهية، إلا أنه ليس هو المقصود ابتداء من إرسال الرسل وإنزال الكتب وخلق الخلق، لأن هذا موجود لدى
المشركين، وموجود لدى أكفر الكفرة وهو إبليس.

ثانيًا : توحيد الأسماء والصفات.
وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة، من الأسماء
الحسنى والصفات العلى، على الوصف اللائق به عز وجل، من غير تحريف لهذه الأسماء والصفات، ومن غير
تعطيل لها, ومن غير تكييف لمعانيها وكيفياتها, ومن غير تمثيل لها بصفات المخلوقين وكذلك نفي ما نفاه الله عن
نفسه في كتابه، ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، يدل على هذا قوله تبارك وتعالى:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180]
ويقول عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
فقولنا إثبات ما أثبته الله لنفسه، مثل قوله تعالى ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾.هذا من حيث العموم.
لكن من حيث التفصيل. مثل قوله تعالى﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، فنثبت لله أنه سميع وبصير ونثبت له صفة السمع 
والبصر. والنفي مثل قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ هذا على جهة الإجمال
أماعلى جهة التفصيل، مثل: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة: 255]، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: 3].
فما أثبته الله لنفسه في كتابه نثبته، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة نثبته وما نفاه الله
عن نفسه في كتابه ننفيه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ننفيه.وما لم يرد به نفي ولا إثبات نتوقف في اللفظ
 ونستفصل في المعنى، فإذا وافق ما دل عليه الكتاب والسنة من المعاني، أثبتنا المعنى، وما لم يوافق فإننا ننفيه عن
الرب تبارك وتعالى.وهذه هي القاعدة في باب الأسماء والصفات كما دلت عليها الآيات، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾.
هذا التوحيد يعني أنك تثبت لله ما أثبته لنفسه في كتابه، وما ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتنفي عن الله ما نفاه
عن نفسه، ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم, من غير تحريف.
التحريف هو تغيير المعنى. مثال: الرب تبارك وتعالى يقول كما في الآية السابقة﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 55]
 فنحن نثبت أن الله عز وجل استوى على عرشه استواء يليق بجلاله، التحريف أن يحرف هذا المعنى إلى معنى آخر
 فيقول: استوى بمعنى استولى، وهذا تحريف لمعنى الاستواء، وتحريف لكلام الله، ثم إن لهذا التحريف لوازم باطلة
 إذا قلت بأن استوى بمعنى استولى، أصبح لا خصوصية للعرش، لأن استيلاء الله عز وجل ليس خاصا بالعرش
 بل هو عز وجل مستول على كل المخلوقات، فيلزم من هذا التحريف وهو تغيير المعنى يلزم منه لوازم باطلة.
أيضًا يقول تبارك وتعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر: 22]، الآية فيها إثبات صفة المجيء لله، فنثبت لله هذه الصفة على الوجه
اللائق به، المحرفة يقولون وجاء أمر ربك، تحريف للمعنى وتحريف للفظ.
مثال في السنة النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ينزل ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر ».
فنؤمن بأنه عز وجل ينزل نزولا يليق بجلاله حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: « هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل
 فأعطيه، هل من داع فأستجيب له »، كما أنه عز وجل ينزل عشية عرفة يباهي بأهل عرفة ملائكته، فأهل الحق المؤمنون
بالكتاب والسنة، يثبتون لله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه عز وجل أعلم بنفسه وأحسن حديثا
 وأصدق قيلا، وهكذا رسله عليهم الصلاة والسلام.نؤمن بذلك من غير تحريف ولا تعطيل.
التعطيل هو النفي. يأتي من ينفي المعاني، فيبطل معاني تلك الآيات والأحاديث، أيضًا هذا رد لكلام الله عز وجل
 والله قد أمر بالإيمان بالقرآن وبتدبر القرآن، والقرآن قد نزل بلسان عربي مبين، ولهذا لم يشكل على الصحابة
 بل لم يشرك على المشركين، لم يستشكلوا ما يتعلق بآيات الصفات والأسماء الواردة في الصفات.
ولا التكييفالتكييف هو بيان الكيفية لأن الله عز وجل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11]، فلا يؤمنون بالكيفية
ولا تمثيل، أي لا يشبهونه عز وجل بصفات المخلوقين..

النوع الثالث توحيد الألوهية
وهو إفراد الله عز وجل بأفعال العباد، كالخضوع والذل والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة، ونحوها.
 فيصرفها لله عز وجل وحده لا شريك له، فلا يجعل مع الله شريك في الحب ولا في الخوف ولا في الرجاء ولا
في التوكل، وفي الرغبة، ولا في الرهبة، ولا في الذبح ولا في النذر، ولا في سائر أنواع العبادة.
هو إفراد الله وحده بالخضوع والذل والمحبة والخشوع وسائر أنواع العبادة.
والعبادة تعرف بتعريفين
الأول: من حيث ذاتها: هي التذلل والخضوع لله عز وجل محبة وتعظيما
الثانى :من حيث أنواعها: هى اسم جامع لكل ما يحبه الله عز وجل ويرضاه، من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة.
هذه العبادة بهذا المفهوم تفرد لله وحده، فالتذلل والخضوع يكون لله مع المحبة والتعظيم، وسائر أنواع العبادة تكون
لله وحده لا شريك له، ولهذا يسمى هذا النوع من التوحيد بتوحيد العبادة، لأن الألوهية معناها العبادة، أله يؤله ألوهة
وإلاهة أي عبودية، ولهذا يسمى بتوحيد الإلهية أو توحيد الألوهية، لإن الإله معناه المألوه المعبود، ولهذا يسمى هذا
النوع من التوحيد بتوحيد العبادة، فهو منسوب إلى الإله، والإله يختلف عن الرب، الإله معناه المألوه المعبود، والرب
من له الخلق والأمر والملك.
فتوحيد الربوبية منسوب للرب، وتوحيد الألوهية منسوب للإله أي المألوه المعبود، ولهذا قال عز وجل:
﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 163]، إلهكم يعني معبودكم، والنبي صلى الله عليه وسلم لما
بعث معاذا إلى اليمن معلما وقاضيا قال له:« إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه، شهادة أن لا إله
إلا الله» وفي رواية للبخاري: « أن يوحدوا الله »، فدل على أن التوحيد هو شهادة أن لا إله إلا الله.

العلاقة بين هذه الأنواع الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، أن توحيد الربوبية فيستلزم
توحيد الألوهية، بمعنى أن من أقر بأن الله هو الخالق، والرازق، والمحيي والمميت، والمتصرف في هذا الكون، يلزمه
أن يعبده، ولهذا احتج الرسل على أقوامهم بذلك، قالوا: إذا أقررتم بأن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت يلزمكم
أن تعبدوه. وبناء على هذا التعريف قد يوجد من يقر بالربوبية ولا يقر بالألوهية، كحال إبليس، وحال مشركوي الجاهلية
 من أقر بالألوهية فهو جزما قد أقر بالربوبية.

قال أهل العلم بأن العلاقة بين الألوهية والربوبية علاقة التضمن، لأن من عبد الله عز وجل وخضع له، وامتثل أمره
 واجتنب نهيه، وعظمه، فهو ضمنا مقر بتوحيد الربوبية. ولهذا الرسل اهتموا بهذا النوع من التوحيد، لأنه يتضمن النوع
الأول،وهذا هو الذي ينبغي أن يعنى به، يعتني به العلماء والدعاة، لأن الإنسان إذا أقر به، فهو ضمنا قد أقر بالنوع الأول
 أما أن يقر بالربوبية فقط،فلا يكفي في دخول الجنة والنجاة من النار، لا يكفي، لأن إبليس يقر به، والمشركون يقرون به
 ولهذا نقول إن توحيد الألوهية هو أهم أنواع التوحيد، وهو يتضمن النوعين الآخرين.
أما توحيد الأسماء والصفات فإنه يشمل النوعين الآخرين.لأن من أقر بعظمة الرب تبارك وتعالى، وصفاته، ومنها صفة
العلم وصفة الحكمة، وغيرها من الصفات فهو بلا شك قد أقر بالألوهية والربوبية، يدل على هذا التلازم أول أمر في كتاب
 الله عزوجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ
بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21، 22]}.
هذا هو أول أمر في كتاب الله، في سورة البقرة، في الآية الحادية والعشرون والتي بعدها الثانية والعشرون فيها أول نهي.
قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ هناك فرق بين العبودية والألوهية، وهذا يدل على التلازم . أي إذا أقررتم أيها
 الناسأن الله عز وجل هو الرب، فيلزمكم أن تعبدوه، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾، إذا أقررتم بأن هو الخالق الرازق
المحيي المميت فيلزمكم أن تعبدوه، فلهذا قال: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾، هذا توحيد ربوبية ,﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا
وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، فالشاهد هذه الآية فيها إلزام من أقر بالربوبية أن يعبد الله عز وجل.

وقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أن الرب سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة فإذا أقررتم أيها الناس أن الله عز
وجل هو المدبر لهذا الكون، وهو الخالق، وهو الرازق، وهو المحيي، وهو المميت، وهو المصرف، فيلزمكم أن تعبدوه
 ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾.هذا التقسيم للتوحيد بأنواعه الثلاثة له أضاد
فإذا عرفت توحيد الربوبية .....الذي هو الإقرار بأن الله عز وجل هو الخالق الرازق المحيي المميت، المتصرف في شئون
خلقه، وحده لا شريك له، فضد ذلك هواعتقاد أن هناك شريك مع الله، يصرف الكون، أو معين، فمن اعتقد هذا الاعتقاد فقد
جعل مع الله شريكا في ربوبية.
إذا عرفت توحيد الأسماء والصفات..وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم
فضد ذلك هو الإلحاد، إما بتحريفها عن معانيها، أو بنفيها وتعطيلها، أو بتكيفيها، أو بتمثيلها، أو بتسمية الله ما لم يسم به
نفسه، فهذا ضد هذا التوحيد.
إذا أقررت بأن الله عز وجل هو المستحق للعبادة، وأنه عز وجل يجب أن يفرد بجميع أنواع العبادة من الحب، والخوف
والرجاء، والرغبة، والرهبة، والتوكل، والذبح، والنذر، والحج، وغير ذلك.. فصرف شيء من هذه الأنواع لغير الله
 حتى لو صرفها لله ولغير الله، فقد جعل مع الله شريكا في توحيد الألوهية، الذي هو توحيد العبادة، وهذا التوحيد هو
الذي وقع فيه الخلاف بين الرسل وبين أقوامهم، والغالب في البشرية هو الشرك في عبودية الله تبارك وتعالى أي الشرك
في الألوهية.
هذا التقسيم للتوحيد بهذه الأنواع الثلاثة هو تقسيم شرعي، وليس تقسيم اصطلاحي محدث، لأن من الناس من يقول من أين
أتيتم بهذا التقسيم، التوحيد واحد وانتهينا، من أين أتيتم بربوبية وألوهية وأسماء وصفات، فتجده يعترض على هذا التقسيم
 ويعتبر أن هذا التقسيم مما أحدثه العلماء المتأخرون، هذه الدعوة وهذا الزعم بعيد عن الصحة لأن بالاستقراء في القرآن
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأقسام موجودة في القرآن وفي السنة.
والرد على من يعترض أن أول سورة في المصحف سورة الفاتحة، قال تعالى
 ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 2- 4]
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هذه فيها توحيد ألوهية .﴿رَبِّ الْعَالمِينَ﴾ توحيد ربوبيه. ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾توحيد الأسماء والصفات
فهذه الأنواع الثلاثة في أول المصحف وفي أول آيتين منه، نجد هذا التقسيم، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
هذا التقسيم أخذه أهل العلم بالتتبع والاستقراء لنصوص الكتاب والسنة، فدلت نصوص الشرع المطهر على هذا التقسيم
للتوحيد، كما دل عليه كتاب الله في أول سورة.
في آخر سورة وهي سورة الناس، يقول الله فيها: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]، هذه فيها توحيد الربوبية
 ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ [الناس: 2].ربوبية أيضًا وقد تكون أسماء وصفات، إثبات صفة الملك.﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ [الناس: 3]، الألوهية.
فالمصحف في أوله وفي آخره يدل على هذا التقسيم. والشواهد كثيرة،ففي سورة مريم يقول تبارك وتعالى:
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 65]،
توحيد الربوبية في قوله تعالى ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾، و توحيد الألوهية في قوله تعالى﴿فَاعْبُدْهُ﴾.
 توحيد العبودية التي هي توحيد الإله، وأين توحيد الأسماء والصفات، ﴿هل تعلم له سميا﴾.
إذن نقول هذا التقسيم ليس تقسيما اصطلاحيا، تقسيما محدثا، تقسيما بدعيا، بل هو تقسيم شرعي دلت عليه نصوص الشرع
 بل دل عليه كتاب الله في أوله وفي خاتمته، في سورة الفاتحة وفي سورة الناس، وفي سور عديدة، فهذا التقسيم للتوحيد
هو تقسيم شرعي.
وبناء على هذا المفهوم، فمعنى كلمة التوحيد التي دعى إليها جميع أنبياء الله كما قال عز وجل:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25]
معنى هذه الكلمة يترتب على فهم التوحيد، فمن فهم التوحيد فهما صحيحا، فسر هذه الكلمة تفسيرا صحيحا، وطبقها تطبيقا
 صحيحا، من فهم التوحيد فهما خاطئا فهما قاصرا أخطأ في فهم هذه الكلمة، وطبقها كذلك تطبيقا خاطئا.ولهذا المتأمل في
حياة بعض المسلمين يجد الخلل في العبودية والخلل في التوحيد، وهذا الخلل سببه الخلل في فهم التوحيد، والخلل في فهم
 كلمة التوحيد، ولهذا أخطأ من فسر التوحيد بتوحيد الربوبية، وفسر كلمة التوحيد بأن الله هو الخالق والرازق، ولو كان هذا
معناها لأقر بها أهل الجاهلية، فيجب بيان أهمية التوحيد للناس، الذي هو أعظم الحقوق وأوجب الواجبات، أول واجب
وآخر واجب، ولهذا مهمة العلماء وطلاب العلم أن يوضحوا للناس ويبينوا للناس حقيقة التوحيد، وحقيقة معنى لا إله إلا الله
 حتى يعبدوا الله عز وجل على بصيرة، ويفهموا دينهم فهما صحيحا، ثم يطبقوه تطبيقا صحيحا، فيسودوا ويقودوا العالمولهذا
ما تخلف المسلمون إلا بسبب انحرافهم عن دينهم الصحيح، لما وقع الخلل والقصور عندهم ضعفوا وتسلط عليهم أعداؤهم.





















































ليست هناك تعليقات: