23‏/07‏/2015

باب الأنية







باب الآنية :
الآنية : الأوعية .
سبب ذكر هذا الباب بعد المياه، أنها وعاء للماء يتوضأ منها في العادة لا سيما فيما كان من ذي قبل
 وإن كان الآن تمت الاستعاضة عنها في أحوال كثيرة بالصنابير التي يصب منها الماء، ولكن هناك
من الناس من يتوضأ بالآنية، ولا زال لا سيما إذا كان في سفر أو في ارتحال.

الآنية ممكن تكون من تور أو الصفر( أى النحاس ) وممكن أن تكون الآنية من البلاستيك أو الخشب

 او الجلد وممكن أن تكون لشراب أو طعام فالآنية مفهوم واسع يشمل تلك الأوعيةونحوهافما حكمها؟

من حيث الأصل: هو الطهارة، وهنا التركيز على حكم الآنية لأجل أنها محل الماء الذي يتوضأ به

 فإن قلنا بأنها طاهرة، فإن الماء الطاهر عندئذ لا يتأثر بها، ويجوز استعماله منها، وإن قلنا بأنها
نجسة، يكون الماء نجسا، ويتغير بهذه الآنية إذا كان الماء في هذا الوعاء.



القاعدة أن الآنية كلها طاهرة، ويدل على هذا قوله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]
وأيضا أنه عليه الصلاة والسلام توضأ من الآنية وهكذا فعل أصحابه وقد جاء هذا في أحاديث كثيرة
 سواء كان وضوءه من آنية الصفر أو كان وضوءه من مزادة امرأة مشركة وهذا يؤكد القاعدة:
أن الآنية الأصل فيها الطهارة، سواء كانت لمسلم أو لكافر 
من الأصول في الآنية التي تدل على إباحتها، وطهارتها، حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله 
عليه وسلم توضأ في تور من صفر.

يستثنى من الآنية الطاهرة نوعا واحدا وهو الذهب والفضة (لا يجوز الوضوء فيه، لا يجوز استعماله 

ولا يجوزأيضا اتخاذه على خلاف في الاتخاذ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا تشربوا في آنية الذهب والفضةولا تأكلوا في صحافهمافإنها لهم في الدنياولكم في الآخرة».

إذن كل إناء طاهر ولو ثمينا كما قال المؤلف في متنه الفقهي المختصر عند الحنابلةيباح اتخاذه 

واستعماله إلا آنية ذهب وفضة فآنية الذهب والفضة مما يستثنى من الآنية الطاهرة، فلا يجوز
استعمالها عند جماهيرأهل العلم، سواء كان هذا الاستعمال في الأكل والشرب، كما هو نص
الحديث، أو كان هذا الاستعمال في باقي الأمور كما لو استعملها في وضوء، أو في وضع شيء
فيها، ونحو ذلك، وذلك لأن ذكر الأكل والشرب، جاء على مخرج الغالب، وتحديد ذلك ليس على
سبيل الحصر والقصر والتخصيص، وإنما هو ذكر لبعض الأفرادوذلك لكون الأكل في الآنية هو
أكثر الاستعمالات وأهمها بالنسبة للناس.

إذن قوله عليه الصلاة والسلام: «فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»هذا يجلي التعليل وهو

أحد طرق إثبات العلة.

من العلل التي ذكرها الفقهاء ويمكن أن نقول أنها حكمة، لأنه لا يمكن أن نجزم بكونها علة

 ما ذكروا من أنه كسر قلوب الفقراء.لذلك قال الجمهور بالقياس
(قياس ما عدا الأكل والشرب وسائر أشكال الاستعمال)
 وهذا القياس استعمله الجمهور بناء على إثبات علة كسر قلوب الفقراء، لأن كسر قلوب الفقراء 
يكون بالأكلوالشرب كما يكون أيضا بغيرهما من أنواع الاستعمال، وجود الآنية المذهبة أو التي
هي من فضة مستعملة لدىالغني، والفقير ربما لا يجد ما بداخلها، فضلا عن أن يجدها فإنه عندئذ
ينكسر قلبه وربما وقع في نفسه من البغضاءوالحسد ونحو ذلك، ما لا يتشوف الشرع لمثله،
بل يتشوف الشرع لدفعه.

ومن رأى أن العلة هي تعبدية، واكتفى بما جاء في النص، «فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة»

 قال: بأن الاستعمال المحرم هو المنصوص فقط، وهو الأكل والشرب، لأن النبي صلى 
الله عليه وسلم قاللا تأكلوا لا تشربوا الذي يأكل الذي يشرب في إناء إنما يجرر في بطنه نار جهنم
 فلم يأت من التحريم فياستعمال الذهب والفضة إلا ما يتصل بالأكل دونما سواه.
لذلك ذهب بعض أهل العلم وإن كان هذا المذهب هو أقرب ما يكون أن يكون مذهب الظاهرية واختاره الشوكاني وغيرهوهو أيضا ما يميل إليه بعض أهل العلم المعاصرين، كالشيخ ابن عثيمين رحم الله الجميع
فقالوا إن الممنوع هو كان من الأكل والشرب فقط، ويجوز ما عدا ذلك؛ لأنه لا علة تثبت من
 نحو كسر قلوب الفقراء ونحوهم

يجوز إلحاق باقي الاستعمالات بالأكل والشرب، أو تجوز أو تمكن من إجراء القياس، وبالتالي فيقتصر

في النصعلى ما وردبه، لا سيما إن الأكل والشرب مما يحصل بهما كمال النعمة، ويكون بهما الترفه
في أوجه ولذلك كان تخصيصهما بالحكمله وجه معتبر، لكن الأحوط ما ذهب إليه جماهير أهل العلم
من منع سائرالاستعمالات لأوعية الذهب والفضة.

الفرق بين الاتخاذ والاستعمال:

الاتخاذ يراد به الإقتناء يكون للزينة أو للحاجة وإن اتخذ للاقتناء واستعمل أحيانا فإنه لا يؤثر أيضا
على كونه متخذا
 والاستعمال يكون للتلبس بالشيء والانتفاع به. يعني ما ينتفع به أي وجه كان هذا الانتفاع
 سواء كان لباس مثل ما لو كان خاتم، أو استخدام للماء في اغتسال أو وضوء من هذا الإناء
 أو كان قلم مذهبا، واتخذه أو جعله بالنسبة له مستعملافإنه يكون مما تم استعماله لا اتخاذه
 سواء استعماله بلبسه، لأنه يلبس، أو كذلك بالكتابة فيه.


قرر جمهور العلماء منع اتخاذ الذهب والفضة بناء على أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه، إذ لا فائدة

من الاتخاذ في مثلتلك الحال، وكأنهم جعلوا هذا لازما من اللوازم، فبما أنه حرم استعماله فيحرم
اتخاذه، وهذا اللازم وهذا الحكم هو محلخلاف، إذ لم يتفق الجمهور، الأئمة الأربعة في الاتخاذ كما
اتفقوا في الاستعمال، الشافعية على سبيل المثال يوسعون في الاتخاذ،ولذلك وسع الظاهرية ذلك
 لا سيما وكما ذكرنا أن العلة في الاتخاذ ليس ثابتة بحث يمكن القياس عليهاأو إلحاقالاتخاذ بالاستعمال

حالات استعمال الذهب والفضة


الحالة الأولى: الجواز للجنسين. يجوز فيها الاستعمال للذكور والإناث هي حالة الحرب.

الحالة الثانية: التحريم للجنسين. يحرم الاستعمال والاتخاذ فيها على الذكور والإناث، هي حالة 
استعمالهافي الأواني ونحوها. ويستثنى من ذلك الضبة اليسيرة(الوصلة اليسيرة من الفضة لحاجة)
 إذا كان هناك كسر فيالإناء، فيحتاج إلى أن يضبب ليجمع ما بين طرفيه.
الحالة الثالثة: ما يكون محرما على الذكور، جائزا للإناث، وهي حالة اللباس.

قال الله تعالى ﴿ أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ ﴾ [الزخرف: 18]

فالمرأة تنشأ في الحلية هذا هو الأصل، ويجوز لها لبس الذهب والفضة بالإجماع، وإنما يحرم ذلك
على الرجلويستثنى للرجل ما يتعلق بالخاتم، فيجوز استخدام الرجل لخاتم الفضة وذلك لأن النبي
 صلى الله عليه وسلم اتخذخاتما من فضة كما في الصحيحين من حديث ابن عمر فيجوز في هذه
الحالةاستخدام الفضة للرجال سواء كانذلك بالخاتم أو بغير الخاتم (ما كان في حكمه من حيث الحجم )
في غير الخاتم . إذا كان وزنه وحجمه قريبا من الخاتم، ( مائتين جرام تقريبا)، فقد جوز شيخ الإسلام
رحمه الله تعالىوهذا رأي لبعض الحنابلة والحنفية فقالوا إذا كان بحجم الخاتم يسيرا يكون جائزا،
وهذا القول فيه توسط بين من منع مطلقاوبين من أجاز مطلقا، فالجواز إنما يكون لما استثني بالنص
وهو الخاتم، ويلحق به ما كان في حكمه من حيث الحجم أو قريبةمنه ، مثال ما يسمى بالكبت الذي
 يتصل به طرف الكم، وأيضًا الأزرة ، لكن لو الشخص سيلبس نظارة على سبيل المثالويجعلها من فضة
 فهذا لا يجوز لانه كثير وزاد على الحجم المستثنى.

آنية الكفار:

الناس الآن تسافر، وربما كانوا في بعض البلدان يأكلون من مطاعم الكفار، فما الحكم في الأكل
من هذه الآنية(مشروع أو ممنوع)، والكلام هنا على أهل الكتاب، على من يجوز أو يحل أكلهم 
وطعامهم كما قال الله تعالى: ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ﴾ [المائدة: 5].
الأصل في الأشياء، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29]
 لكم للامتنان، ولو كان الأصل فيها النجاسة، أو التحريم، ما كانت مخلوقة لكم ممتنا بها عليكم
 ولذلك يقال الأصلفي الأشياء الطهارة والإباحة، فإذن حكم آنية الكفار، لو لم يكن عندنا أي دليل
 لا مانع ولا مجيز فتكون آنية الكفارطاهرة  وهذا القول هو مذهب جمهور أهل العلم، وقد تأيد هذا
بفعله عليه الصلاة والسلام وهذا يؤكد هذه القاعدةلأنفعله وسنته هي الأصل، وهي شارحة لكتاب
 الله جل وعلا، ومفسرة له ومبينة له ولذلك النبي صلى الله عليه وسلمتوضأ من مزادة امرأة مشركة.

استشكال

 في حديث أبي ثعلبة الخشني النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن آنية بأرض قوم من أهل
الكتاب أفنأكل فيهاقال عليه الصلاة والسلام: 
«لا تأكلوا فيها، إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها»، والحديث متفق عليه.
كيف نقول أن الأصل في الآنية هو الحل والطهارة، ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل
عن هذه الآنية فيأرض قوم من أهل الكتاب، أنأكل فيها، قال: «لا تأكلوا فيها، إلا ألا تجدوا غيرها»
اضطررتم، «فاغسلوها وكلوا فيها».
الجواب مما يفيد أن المرء ينبغي ألا يأخذ دائما بظاهر حديث واحد، دون أن يجمعه إلى الأحاديث الأخرى
وأن يعرف طرقه ورواياته، وهذا لأن بعض الأحاديث أو الطرق قد تفسر أحيانا ما هو مجمل، وتشرح ما هو مختصر.

في الرواية الأخرى للحديث، قال أبو ثعلبة الخشني يا رسول الله إنا بأرض قوم بأهل الكتاب

 فيؤتى بأوانيهم قد أكلوافيها الخنزير، وشربوا فيها الخمر، يعني الأواني نفسها هذه التي يسأل
عنها أبو ثعلبة الخشني أكل فيها خنزيروأواني الشراب شرب فيها الخمر، فـ أنأكل في أوانيهم
 قال: «لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها»
 وهذا النهي عن الأكل في آنية الكفار ليس على إطلاقه، وإنما هو محمول على ما إذا كان هؤلاء
الكفار لا يتوقون منالشرب في تلك الآنية من الخمر أو يأكلوا فيها من لحم الخنزير، فإنا عندئذ يجب
أن تغسل، ومعنى النهي «لا تأكلوا فيها»من باب التوقي والتورع، وإلا فلو كانت طاهرة حتى ولو أكل
 فيها من قبل ذلك وليس لأكلهم أثر فيها، فإن الأصل يكون الجوازفي الاستعمال لأن النجاسة يحكم
بها اذا كانت باقية و لها أثر، فإذا زالت هذه النجاسة بأي سبب كان، فإنه يجوز الأكل فيها والشرب منها.
وهذا معنى القاعدة، فيكون منع النبي صلى الله عليه وسلم ابتعادا عن هذه النجاسات، ويكون في
هذا الجمع بين الحديث والحكم المقرر، يعني بين الروايتين فكيف يتوضأ من مزادة امرأة مشركة
 وهنا ينهى عن الأكل من أواني المشركينلأن تلك المزادة كانت طاهرة، مع إن حاجته إلى الطهارة
 أعظم، لأنه سيرفع بالوضوء الحدث، ومع ذلك توضأ عليه الصلاة والسلام منها، ليقرر هذا الحكم.

مسألة جلود الميتة:
جلود الميتة يذكرها الفقهاء في باب الآنية؛ لأن جلود الميتة قد تتخذ أحيانا أوني، والأواني تكون
من جلود ونحاس وحديد وخشب ومن ذهب وفضة.فهل يجوز استعمال جلود الميتة أما لا؟ 
هذا فيه تفصيل على النحو التالي:
إن كانت جلود الميتة غير مأكولة اللحم لا يؤكل لحمها، ( مثل السباع، الذئب النمر الأسد)، فهي غير
طاهرة اتفاقاأي لا تطهر بالدباغ، وتبقى عندئذ نجسة، وهذا عند عامة أهل العلم.
أما إن كان مأكولة اللحم، فقد اختلفوا فيها على قولين:
الجمهور. إن الحيوان المأكول اللحم إذا دبغ جلده طهر، فيجوز عندئذ استعماله وذلك:
 لحديث: «إذا دبغ الإيهاب فقد طهر»، والحديث في مسلم،و حديث ميمونة، أن النبي صلى الله 
عليه وسلم لما رأى شاة قال عليه الصلاة والسلام: «هلا انتفعتم بإهابها»يعني جلدها، قالوا:
إنها ميتة، قال: «يطهرها الماء والقرف» يطهرها الماء والملح، فإذن يمكن إذا دبغت أن تطهر
وأن يجوز استعمالها، وهذا الحديث وإن كان عاما لكنه يخصص فيما يؤكل لحمه ودليله أن النبي
 صلى الله عليه وسلم قال:«دباغها زكاتها»، ولما يقول: «دباغها زكاتها»، فهذا يفهم منه أنه ما
يزكى هو الذي يطهر جلده بالدباغ، ومن المعلوم أنما يزكى هو ما يؤكل لحمه، إذ لا قيمة ولا فائدة
من تزكية ما لا يؤكل لحمه، 
وهذا القول جمع بين المنع مطلقا وبين الجواز مطلقا

 ذهب الحنابلة من كونه لا ينتفع ولا تطهر الجلود بالدباغ، سواء كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة

اللحم وهذا القوللا يتأيد بالنصوص كما هو مذهب جمهور أهل العلم، بل نقول إذا كانت مأكولة اللحم
فإنها تطهر بالدباغ، ويكون عندئذاستعمالها جائزا لما تقدم من الأحاديث.














































ليست هناك تعليقات: