04‏/05‏/2015

التوحيد




للدكتور سهل العتيبي جامعة الملك سعود( كلية  التربية) قسم الدراسات الإسلامية.

الأدلة على أهمية التوحيد
الدليل الأول
- يقول تبارك وتعالى في سورة الذاريات: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]
 هذه الآية تدل على أن الله تبارك وتعالى إنما خلق الجن والإنس لهذه الغاية، وهذه الحكمة، فما خلقهم الله عز وجل
عبثا ولا هملا، وإنما خلقهم لهذه الغاية العظيمة، ولهذا ينبغي على كل مكلف بل ينبغي على كل إنسي وجني أن يستشعر
 هذه الغاية، وهذا الهدف، من خلقه، ألا وهو تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى.
ففي الآية بيان الحكمة من خلق الجن والإنس، ثم إن الله عز وجل لم يخلقهم لحاجته إليهم، بل لمصلحتهم
 فدلت الآيةعلى وجوب التوحيد وأهمية التوحيد، ومكانة التوحيد، وعظم شأنه، حيث من أجله خلق الجن والإنس.
الشاهدعلى التوحيد في الآية في قوله تعالى: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، فكلمة ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾ يوحدون الله عز وجل بالعبادة.
لأن التوحيد الذي من أجله خلق الله الخلق، من أجله أرسل الرسل، من أجله أنزل الكتب، من أجله وجدت الجنة
هو عبودية الله تبارك وتعالى.
قدم الجن على الإنس في الآية فقال عز وجل ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ﴾ لأن الجن خلقوا قبل الإنس، فأبو الجن
هو إبليس، وأبو الإنس آدم، ومعلوم أن إبليس خلق قبل آدم.

هذه الآية يستفاد منها:
أولا: وجوب إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة على جميع الثقلين، وأخذنا الإفراد، من قوله:( إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
فالحصر هنا يفيد أن إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة وحده دون سواه، فيها بيان الحكمة والعلة والغاية من خلق
الجن والإنس، وفيها أيضا أن الخالق هو سبحانه وتعالى هو الذي يستحق العبادة وحده دون غيره من البشر ودون
 غيره من المعبودات، فهو المستحق للعبادة وحده دون سواه.
ثانيًا: بيان غنى الله عز وجل عن خلقه، وبيان حاجة الخلق إليه، لأنه هو الخالق وهم المخلوقون
 ولهذا قال بعد هذه الآية مباشرة، ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: 57]
فالذين يعبدون الأصنام والأوثان والأشجار والأحجار، ويعبدون البشر، إنما يريدون منهم النفع، ويريدون منهم تفريج
الكروب، وهداية القلوب، وغير ذلك من المطالب، وهؤلاء لا ينفعونهم، إنما الذي ينفع هو الله تبارك وتعالى، الذي يرزق
هو الله تبارك وتعالى، فينبغي للإنسان أن يعلق مطالبه بالرب تبارك وتعالى، ولهذا قال بعد الآية مباشرة
﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾.
ثالثًا: إثبات الحكمة في أفعال الله جل وعلا أن أفعال الرب مبنية على الحكم العظيمة، الحكمة من خلق الجن والإنس
 من العبادة ولهذا هو عز وجل الحكيم، حكيم في خلقه، حكيم في أمره، حكيم في نهيه عز وجل.
رابعًا: وهو إثبات صفة الحكمة لله تبارك وتعالى، وإثبات أن أفعال العبد لله عز وجل فيها من الحكم والمصالح 
ما لا تدركه العقول.
خامسًا: في قوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾
قد فسرها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم والسلف الصالح، بمعنى يوحدون، وقالوا بأن الحصر يفيد على إفراد
الله عز وجل بالعبادة وحده دون سواه، ففيه أن العبادة لا تسمى عبادة إلا إذا كانت خالصة لله تبارك وتعالى
 أما لو عبد الله وعبد غيره معه لا يكون موحدًا، يكون مشركًا، لأنه ما أفرد الله عز وجل بالعبادة، لم يفرده بالدعاء
ولم يفرده بالحب، ولم يفرده بالخوف، ولم يفرده بالرجاء، ولم يفرده بالذبح والنذر، بل جعل معه شركاء. حينئذ هذا لا
 يكون موحدًا، حتى لو زعم أنه يعبد الله ولكنك تعبد مع الله غيره، وهذا ليس بتوحيد، فلا تكون العبادة عبادة حتى تكون
 خالصة لله وحده لا شريك له، ولهذا قال: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

العبادة في الشرع تطلق ويراد بها معنيان.
المعنى الأول: التذلل والخضوع لله عز وجل، مع المحبة والتعظيم، امتثال أوامره واجتناب نواهيه، هذه العبادة
 نقول هو عبد الله، ونقول عبادة أي تذلل وخضوع لله تبارك وتعالى، ولابد أن يكون هذا التذلل وهذا الخضوع
مع المحبة والتعظيم، وهذا تعريف للعبادة من حيث ذاتها.
المعنى الثانى تطلق العبادة ويراد بها المتعبد به، أي يراد بها القربة، فتعرف كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية
 في كتابه العبودية، قال: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة،
فكل عمل يريد به الإنسان وجه الله سواء من الأعمال الباطنة وهي أعمال القلوب كالحب والخوف والرجاء
 أو أعمال ظاهرة كأعمال الجوارح، أو أقوال اللسان، يريد بها وجه الله، فإنها حينئذ تكون عبادة
 لكن بشرط أن يكون هذا العمل يحبه الله ويرضاه، يكون هذا محبوب إلى الله، ولا شك أن الله لا يحب ولا يرضى
من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه، موافقا لشرعه.
التعريفان صحيحان
الأول: يراد به تعريف العبادة من حيث ذاتها،
والثاني :يراد به تعريف العبادة من حيث المتعبد به.
مثال : الصلاة هي في ذاتها عبادة فيها تذلل وخضوع لله تبارك وتعالى مع المحبة والتعظيم، وهي كذلك عبادةمن جهة
المتعبد به أي قربى يتقرب بها المسلم إلى ربه تبارك وتعالى، ومعلوم أن الصلاة هي أعظم الفرائض بعد التوحيد.
فحينئذ إذا وجدت من العلماء من يعرف العبادة بالتعريف الأول أو هناك من يعرفها بالتعريف الثاني، كلاهما صحيح
 مثل تعريف الواجب في مصطلح أصول الفقه، يعرف الواجب بأنه ما أمر به على جهة الإلزام، هذا تعريف له من حيث
ذاته، ويعرف الواجب بأنه ما يثاب فاعله امتثالا، ويستحق العقاب تاركه، وهذا تعريف له من جهة حكمهفكلاهما تعريفان صحيحان، وهكذا في تعريف العبادة.يعبدون أي يوحدون الله عز وجل، يتذللون ويخضعون له، يمتثلون أوامره، ويجتنبون
زواجره، مع المحبة والتعظيم.
العبادة في لغة العرب : تطلق على التذلل والخضوع، يقال: طريق معبد، ويقال جمل معبد، أي مذلل.
وأما في الشرع: فإنها تختص بالتذلل والخضوع لله وحده لا شريك له، مع المحبة والتعظيم.
هذا تعريف للعبادة بالمصطلح الشرعي، هناك عبادة بالمعنى العام، وهي عبادة التذلل الكوني، العبادة القهرية
 فهل مثلا الكفار عبيد لله من جهة العبودية الكونية
 ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: 93]
 فهذه العبودية هي عبودية كونية قهرية، وليست هي المرادة هنا، وإنما المراد هنا العبادة الشرعية
 التي أثنى الله عز وجل على أهلها في قوله مثلا تبارك وتعالى:
 ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾ [الفرقان: 63]، المقصود هنا العبادة الشرعية .
هل عباد الأصنام والمشركون الذين عبدوا الله وعبدوا غيره معه، هل من جهة اللغة عبدوا الله أم لا ؟
من جهة اللغة هم عبدوا الله، فالمشركين في الجاهلية، كانوا يعظمون البيت وكانوا ينذرون، وكانوا يطوفون بالبيت
 وكانوا يحجون، وكانوا يصومون عاشوراء، وكانوا يقولون إن للبيت ربا يحميه، وكانوا يحلفون بالله، وكانوا يلجئون
إلى الله في الشدائد، وفي الرخاء يلجئون إلى أصنامهم، ولكن كل هذه الأعمال والعبادات لم تنفعهم بسبب الشرك
 لأنهم أشركوا مع الله في هذه العبادات غيره.
إن التوحيد الذي جاءت به الرسل، ومن أجله نزلت الكتب، ومن أجله خلق الله الخلق، هو إفراد الله عز وجل بالعبادة
وحده دون سواه.أما أن يعبد الإنسان الرب تبارك وتعالى، ثم يعبد غيره معه، ويزعم أنه موحد، هذا ليس بتوحيد
وليست بعبادة شرعا يقول الله عز وجل في هذه الآية من سورة البقرة:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾، ما معنى ﴿أَندَادًا﴾ يعني نظراء،
﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَىالَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ
 شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: 165]،
هؤلاء يحبون الله ولهذا قال:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾،
الذين آمنوا أشد حبا لله من حب هؤلاء لله لأن حب المؤمنين لله حب خالص، لا شريك له، أما هؤلاء حبهم لله حب مشرك
فيحبون الله ويحبون أصنامهم، ولهذا قال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾، ثم قال:﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ
الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: 165]، فهذه الآية فيها دليل على أن هؤلاء المشركين يحبون
الله ويحبون أصنامهم. فهذا الحب لله لم ينفعهم لأنهم جعلوا مع الله شركاء.

الآية الثانية في سورة التوبة، يقول تبارك وتعالى في شأن اليهود والنصارى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ﴾
الأحبار العلماء، والرهبان العباد، ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾، أي جعلوهم في مقام الربوبية
 فأعطوهم شيئا من خصائص الربوبية والألوهية، ﴿وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا﴾
الشاهد ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31]، لاحظ هذه الآية كيف دلت
على معنى التوحيد الذي جاءت به الرسل، لما نزلت هذه الآية كان عند النبي صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم الطائي
 وكان نصرانيا، فهداه الله للإسلام، فلما سمع النبي يقرأ هذه الآية، قال عدي: فقلت يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم بمعنى أنهم
لم يعتقدوا أن هؤلاء الأحبار والرهبان هم الله. هذا المفهوم لدى بعض الناس إذا أنكرت عليه صرف العبادة لغير الله، قال أنا
 أؤمن بالله، وأنا أصلي، وأنا أصوم، وأزكي وأحج، وهذا ولي، هذا المفهوم الخاطئ عند بعض الناس، وهذا المفهوم أيضًا موجود عند النصارى، ولهذا قال عدي رضي الله عنه: يا رسول الله قلنا لسنا نعبدهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه» أي تعتقدون حل فقال عدي: فقلت بلى قال:
«فتلك عبادتهم».
فدلت الآية على أن التحليل والتحريم لغير الله أنه عبادة لذلك المحلل والمحرم إذا اعتقد أن له الحق أنه يحلل ويحرم
 فلهذا جعلهم الله عز وجل أربابا مع الله، لأنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم اعتقادا أن
لهم الحق في التحليل والتحريم. لكن لو أطاعوهم من غير اعتقاد أنهم يحلون ويحرمون يكون هذا من باب المعاصي
 ولهذا قال: «فتحلونه»، وقال: «فتحرمونه».
الشاهد في الآية : أن كل من صرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله فقد جعله شريكا مع الله تبارك وتعالى، مما يبين أن
المفهوم الصحيح للعبادة شرعا أن تكون خالصة لله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وهذا هو التوحيد.

الناس في عبادة الله على ثلاثة أقسام.
القسم الأول: قسم يعبد الله وحده لا شريك له
القسم الثانى: قسم يعبد غيره، يعبد غير الله لا يعبد الله.
القسم الثالث: يعبد الله ويعبد غيره.
والموحد هو من عبد الله وحده لا شريك له، ولهذا قال تعالى عن خليله إبراهيم إمام الحنفاء:
﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: 26، 27]، قال: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾
 سواء عبدوهم مع الله أو عبدوهم من دون الله، فكل هؤلاء ليسوا بموحدين، إلا من عبد الله وحده لا شريك له، أما من
عبد الله وعبد غيره فهو مشرك، ومن عبد غير الله ولم يعبد الله أصلا فهو كافر ملحد.
أول أمر في كتاب الله، عندما تفتح المصحف فتقرأ من أوله من سورة الفاتحة. سورة الفاتحة ليس فيها أوامر
في سورة البقرة في الآية رقم الحادي والعشرون يقول تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وهذا خطاب لجميع الناس
 ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ فأول أمر في كتاب الله هو الأمر بالعبادة، ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ ففرق بين المعبود وبين الرب، معناه أن هناك
 تلازم.﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21، 22]،
وفيه أول نهي في كتاب الله هو النهي عن الشرك الذي هو ضد التوحيد. وهذا مما يدل على أهمية التوحيد وأهمية العبادة
أن أول أمر في كتاب الله الأمر بالتوحيد، أمر بالعبادة، وأول نهي في كتاب الله نهي عن ضد التوحيد وهو الشرك، مما يبين منزلة ومكانة التوحيد في كتاب الله تبارك وتعالى.

الدليل الثاني الذي يدل على أهمية ومكانة التوحيد
قول الله تبارك وتعالى في سورة النحل: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]
 الآية السابقة كانت في سورة الذاريات وفيها بيان الحكمة من خلق الجن والإنس، وأن ذلك لعبودية الله عز وجل
 أما هذه الآية ففيها بيان الحكمة من إرسال الرسل، وأن الرسل أنزلت لأجل عبادة الله عز وجل، وكما تقدم أن العبادة
حقيقتها هي التوحيد، إفراد الله عز وجل بالعبادة.
في الآية دليل على حقيقة التوحيد، وأن التوحيد لابد فيه من هذين الركنين، ﴿أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾
 وهما ركنا لا إله إلا الله،فبُعثت الرسل بهاتين الكلمتين، ﴿أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، في قوله: ﴿اُعْبُدُوا اللَّهَ﴾
إثبات العبودية لله، وفي قوله: ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ نفي الشريك، ولا يتحقق التوحيد إلا بهذين الركنين، فاشتملت هذه
الآية على أركان ومعنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله. لأن النفي وحده ليس بتوحيد، ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ هذا ليس بتوحيد والإثبات وحده لا ينفي الشريك، فلا يكون الإنسان موحدا إلا بهذين الركنين، إثبات العبودية لله ونفيها عما سوى الله
 أما لو أثبتها لله وعبد غيره معه ليس بتوحيد، لو لم يعبد الله أيضًا ليس بتوحيد، فلا يتحقق التوحيد إلا بهذين الركنين.
قوله: ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾. الطاغوت فسره أهل العلم مأخوذ من الطغيان وهو تجاوز الحد، ومن أجمع التعاريف للطاغوت
 ما عرفه به ابن القيم رحمه الله في كتابه النفيس إغاثة اللهفان، فعرفه بتعريف جامع مانع
تعريف الطغيان لابن القيم رحمه الله تعالى: هو ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع
وبناء على هذا التعريف فالطواغيت كثيرون، كل ما تجاوز به العبد الحد الذي حده الله له شرعا، سواء كان هذا الطاغوت :
متبوع يدخل في ذلك أئمة الضلال كأئمة الضلال عند الصوفية، أئمة الضلال الرافضة، ونحوهم، فهؤلاء طواغيت لأنهم يدعون علم الغيب، ويدعون الناس إلى عبادتهم من دون الله ويحللون ويحرمون، فيدخل في هذا أئمة الضلال. معبود، يدخل في ذلك الأصنام والأوثان التي تعبد من دون الله ومع الله.
مطاع، كأمراء الضلال الذين يحللون ما حرم الله، أو يحرمون ما أحل الله، فيطيعهم من يطيعهم في التحليل والتحريم اعتقادا
 أن لهم الحق في التشريع والتحليل والتحريم.
هذه قواعد عامة، وإلا لها ضوابطها وتفصيلاتها، لأن من الناس أحيانا من يخلط، تختلط عنده الأمور في مثل هذه المسائل
 نحن نتكلم عن قواعد عامة في مثل هذه المفاهيم، وإلا كل مفهوم يحتاج إلى تفصيل دقيق.
كذلك مثل هذه الآية قول الله تبارك وتعالى في هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، فيها أيضًا من الفوائد أن جميع الأمم قد بعث الله عز وجل إليهم الرسل، فما من أمة إلا وقد خلا فيها نذير
 ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا﴾، ودلت أيضًا على أن دعوة الرسل واحدة، وهي الدعوة إلى التوحيد، فدلت على أهمية التوحيد ودلت أيضًا على حقيقة التوحيد، ومعنى التوحيد الذي دعت إليه جميع رسل الله.
يستفاد من الآية أيضًا بيان الحكمة من إرسال الرسل، وهي الدعوة إلى التوحيد، والنهي عن ضده وهو الشرك، وفيها أيضًا
أن دين الأنبياء واحد، ولهذا إذا قيل الإسلام هو دين الأنبياء، الإسلام بمعناه العقدي الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد
 والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، فهو دين الأنبياء جميعا، لأن كل الأنبياء دعوا للإسلام بهذا المفهوم.
وفي الآية عظم شأن التوحيد، وأنه واجب على جميع الأمم ، وإنما الاختلاف بين الأنبياء يكون في الشرائع والأحكام.
وفيها معنى لا إله إلا الله، حيث تضمنت النفي والإثبات.
في القرآن الكريم في أغلب السور التي جاءت في ذكر الأنبياء نجد أن جميع الأنبياء من أولهم إلى آخرهم كلهم قد دعوا
إلى التوحيد.ففي سورة الأعراف، يقول تبارك وتعالى في قصة نوح وهو أول رسول أرسله الله تبارك وتعالى إلى أهل الأرض
 بعد حدوث الشرك، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 59]، هذا هو التوحيد
 ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ .وقال عز وجل عن هود: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 65]، شعيب يقول الله عز وجل عنه في نفس السورة: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ
 مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 85].

الدليل الثالث الذي يدل على أهمية التوحيد ومكانة التوحيد من الدين والإيمان:
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء في بيان الحقوق على الإنسان، قال في أولها:
 ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]،
قضى يعني أمر وأوصى كما فسرها بذلك الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. والمراد بالقضاء هنا القضاء الشرعي
لا القضاء الكوني، ﴿وَقَضَى رَبُّكَ﴾، أي حكم وأمر وأوصى ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾
مادلت عليه الآيه الكريمة:
 1ــ الآية فيها بيان حقيقة التوحيد وهو ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، أي لا تتذللوا ولا تخضعوا إلا لله وحده لا شريك له
 لا تدعوا إلا الله، لا ترجوا إلا الله، لا تخف إلا الله، لا تذبح إلا لله، لا تنذر إلا لله، لا تصل إلا لله، لا تركع إلا لله
 لا تسجد إلا لله، وهكذا جميع أنواع العبادة تصرفها لله وحده لا شريك له، وهذه هي حقيقة التوحيد.
﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، وهذا هو معنى لا إله إلا الله بالمطابقة، وهو معنى كلمة التوحيد.
2ـ دلت الآية على أن التوحيد هو آكد الحقوق، وأوجب الواجبات، والشاهد على ذلك أن الله عز وجل ابتدأ به في هذه الآية
 ولا يبتدئ إلا بالأهم فالأهم، فهو آكد الحقوق، وأوجب الواجبات.وهو حق الله عز وجل على العبيد، فأعظم حق على الإنسان
هو حق الله، ولهذا من العجب أن من الناس من يدعو أحيانا إلى محاسن الأخلاق، ومكارم الأفعال مع البشر، وينسى رب
البشر، بل ربما إذا وجد إنسانا حسن المعاملة مع الناس، وهو لا يصلي وربما ليس بمسلم أثنى عليه ثناء مطلقا، نقول أعظم الحقوق فرط فيها ، أقبح القبائح وهو الشرك، اقترفه، فتجد من الناس من يتجاهل هذا.
يتجاهل أعظم الحقوق فلا يلقى لها بالا، ويتجاهل أعظم القبائح الشرك، فلا يلقي له بالا، فتجد الناس موازينه قاصرة، موازينه دنيوية، فيحكم على الناس حكما مطلقا، ومدحا مطلقا، وثناء مطلقا، لأجل التعاملات البشرية، وأداء الحقوق البشرية، وينسى حقوق رب البشر عز وجل.
لهذا أعظم الحقوق على العبد في الإطلاق حق الله. والتفريط به هو أقبح القبائح، وأعظم الذنوب، ولهذا ابتدأ الله به، فدلت
 الآية على أهمية التوحيد، لأن الله عز وجل قضى به قضاء شرعيا، وبدأ به لأهميته.
 3ـ في الآية بيان حقيقة التوحيد في قوله: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾.
 4ـ في الآية بيان أن أعظم حق بعد حق الله على العبد هوحق الوالدين، ولهذا جاء هذا الحق بعد حق الله عز وجل
 ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فدلت الآية على عظم حق الوالدين، حيث جعل الله
عز وجل حقهما بعد حقه، وشكرهما بعد شكره.ولهذا من الغلط الكبير لدى كثير من الشباب تجده ربما قرب حق الصديق
على حق الوالدين، وربما تفانى في خدمة الزملاء على حساب خدمة الوالدين، وربما استئذن فلانًا وفلانًا من الناس في أمر ونسي استئذان الوالدين، ولا شك أن هذا من الخلل لدى بعض الناس في باب التعبد.فأعظم حق عليك أيها العبد بعد حق الله
هو حق الوالدين عليك، ولهذا جاء هذا الحق بعد حق الله.
قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، فكلمة ﴿إِحْسَانًا﴾ مطلقة، فأمر الله عز وجل بالإحسان للوالدين بعد عبادة الله بجميع وأنواع
صور الإحسان، ولم يخص نوعا دون نوع، فدل على سعة الإحسان للوالدين وعلى وجوب الإحسان إليهما بكل صورالإحسان  وبضده النهي عن العقوق، حتى لو كان بكلمة أف تأفف، فكيف بما هو أعظم من هذا.
إن أعظم حق على العبد حق الله عز وجل وهو عبادته عز وجل، فيكون من أعظم الإحسان إلى الوالدين هو الإحسان 
إليهما في شأن الدين والعقيدة وما تصح به عبادتهم إلى آخر ذلك.
فإذا كان الإنسان يحرص على تعليم عموم الناس، فتعليمه لوالديه ونصحه لوالديه وهدايته لوالديه أعظم
مثال إذا كان إنسان والداه على الكفر، فأعظم إحسان إليهما أن يدعوهما إلى الإسلام، إذا كانوا على شيء من الضلال
 أعظم إحسان إليهما أن يدعوهما إلى الاستقامة، هذا من أعظم صور الإحسان، بل من أعظم من صور الإحسان
للإنسان أيا كان الإنسان، لو كان إنسانا كافرا أعظم إحسان تقدمه إليه أن يسلم على يديك، أفضل من أن تعطيه ملايين
الأموال، وتعطيه من زخارف الدنيا، وتطعمه، كونك تدعوه فيهتدي ويسلم على يديك، فينجيه الله عز وجل من النار ويدخل
 الجنة، هذا أعظم إحسان تقربه إليه، وهكذا الإحسان إلى الوالدين فيما يتعلق بأمور الدين، بالحكمة والموعظة الحسنة.

الدليل الرابع الذي يدل على عظم التوحيد ومكانة التوحيد، وحقيقة التوحيد 
قوله تبارك وتعالى في سورة النساء، في الآية التي يسميها أهل العلم بآية الحقوق العشرة، وهي قوله تبارك وتعالى:
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، تأكيد على الإحسان للوالدين، ﴿وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36]، هذه الآية تسمى بآية الحقوق العشرة، لأن الله عز وجل ذكرها فيها عشرة حقوق، ابتدأها بحقه تبارك وتعالى  ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ هذا الأول، ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ أعظم الحقوق بعد حق الله حق الوالدين ثم الأقربون والأقربون أولى بالمعروف، ﴿وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ
 وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ عشرة حقوق ابتدأها الله عز وجل بأعظم هذه الحقوق وهو حقه تبارك وتعالى، فدل على عظم وشأن التوحيد. في الآية أمر ونهي، الأمر في قوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾ والنهي قوله: ﴿وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ فدلت أيضًا على حقيقة التوحيد، وأن التوحيد مكون من النفي والإثبات.وكلمة ﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النهي، والنكرة في سياق النهي والنفي والشرط والاستفهام تفيد العموم، فالمعنى اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا كائنا من كان، لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، لا حجرًا ولا شجرًا
ولا نبيًا، ولا رجلًا صالحًا، أيا كائنا من كان، فينبغي ويجب أن تكون العبادة لله وحده لا شريك له، فدلت الآية على أهمية
التوحيد حيث ابتدأ الله به، ونهى عن ضده وهو الشرك، ففيها دليل على أن التوحيد هو آكد الواجبات.ففي الآية بيان حقيقة التوحيد، وفي الآية أيضًا كما تقدم عظم حق الوالدين والإحسان إليهما بجميع صور الإحسان.
يستفاد من الآية بوجوب إفراد الله بالعبادة، لأن الله عز وجل أمر بذلك، وآكد الحقوق تحريم الشرك لأن الله نهى عنه فهو
أشد المحرمات، أن اجتناب الشرك شرط في صحة العبادة، لا تصح العبادة إلا بهذا الشرط، أما لو عبد الله وعبد غيره هذا
 ليس بموحد.لأن الشرك حرام، قليله وكثيره، والدليل ﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النهي فتفيد العموم.
الدليل الخامس :
قوله تبارك وتعالى في الآيات الثلاث من سورة الأنعام: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ
 إِحْسَانًا ..﴾ [الأنعام: 151]، هذه الآيات الثلاثة فيها عشر وصايا، ابتدأ الله عز وجل هذه الوصايا بالنهي عن الشرك
 والنهي عن الشرك يستلزم ويقتضي التوحيد، فدلت على أهمية التوحيد ودلت كذلك على حقيقة التوحيد، وعظم شأن التوحيد
 وأن ضده وهو الشرك هو أعظم القبائح، وإذا كان كذلك فالتوحيد هو أوجب الواجبات.
﴿شَيْئًا﴾ كما تقدم نكرة في سياق النهي، فتفيد العموم، فلا تشركوا مع الله كائنا من كان، لا قليل الشرك ولا كثيره.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه في معنى هذه الآيات الثلاثة من سورة الأنعام، يقول: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد
صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى قوله:
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: 153].
يقول ابن مسعود رضي الله عنه من أراد أن ينظر للوصية، كأنه يقول لو أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى لأوصى
بهذه الآيات الثلاث التي أوصى بها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوصى يوصي بما أوصى الله عز وجل به ولهذا الله
عز وجل أوصى الإنسان بتقوى الله، ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131].
وكان الصحابة إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيهم، يوصيهم بتقوى الله، فلو أوصى النبي صلى الله
 عليه وسلم بشيء، كان يوصي بمثل هذه الآيات التي ابتدأها الله بالتوحيد.وإنما قال ابن مسعود ذلك لما قال ابن عباس
رضي الله عنهما: إن الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين أن يكتب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيته، فذكره ابن مسعود، لسنا بحاجة، حتى لو افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لأوصى بما أوصى الله به في كتابه.
فيقول عندكم من الكتاب ما يكفي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو وصى لم يوص إلا بما في كتاب الله، فأيضًا دل هذا
 الأثر على عمق فهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ودقة فهمهم لكتاب الله، ودل أيضًا على أهمية التوحيد.
قوله: التي عليها خاتمه، يعني لو قدر أنه أوصى وصية وختم عليها، لأوصى بهذه الوصايا العشر في سورة الأنعام التي
 ابتدأها الله عز وجل بالوصية بالتوحيد. وخاتمه: يعني الوصايا إذا أراد أن يوثقها يشهد عليها ويختم عليها، فتكون وصية موثقة، عليها خاتم النبي صلى الله عليه وسلم.
فيستفاد من هذا الأثر
1ـ أهمية هذه الوصايا العشرة في سورة الأنعام، أن الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بما أوصى الله به، فكل وصية
لله فهي وصية لرسوله صلى الله عليه وسلم.
2ـ عمق فهم الصحابة ودقة فهمهم لكتاب الله.
3ـ الدلالة على عظم شأن هذه الآيات الثلاثة من سورة الأنعام التي افتتحها الله عز وجل بالنهي عن الشرك
 واختتمها أيضًا بذلك.
4ـ دل هذا الأثر على ما دلت عليه الآيات السابقة في بيان عظم التوحيد ومكانة التوحيد.
هذه الآيات الخمس كلها تدل على عظم مكانة التوحيد، وأهميته، وبيان حقيقة التوحيد.

الدليل من السنه على أهمية التوحيد
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار وهذا من تواضعه عليه
 الصلاة والسلام، وفيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك، وفيه فضيلة لمعاذ فقال لي:
«يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال:
«حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا»، وهذا يدلك على أن التوحيد هو حق الله على العباد وفيه بيان
حقيقة التوحيد.«وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا»، فكلمة «شيئًا» نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.
قال معاذ: أفلا أبشر الناس، قال: «لا تبشرهم فيتكلوا»، وهذا يدل على أن العلم يحتاج إلى حكمة، وأنه قد يخص به بعض
الناس دون بعض، ويحدث الناس على قدر عقولهم.فالشاهد : قوله عليه الصلاة والسلام: «حق الله على العباد أن يعبدوه
 ولا يشركوا به شيئًا»، دل على حقيقة التوحيد، وأنه حق الله على جميع العبيد.
وفيه بيان حكم التوحيد، في قوله «حق» يعني أنه واجب لازم فرض على جميع المكلفين.
وفيه بيان فضل من تمسك بالتوحيد، فضله أن الله لا يعذب من لا يشرك به شيئًا، في هذا الأثر. هذه الفوائد التي تقدمت
في الآيات السابقة. قوله: «وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا»، هذا الحق أوجبه الله عز وجل على نفسه
وليس العباد هم الذين أوجبوه كما تزعم المعتزلة، كما قال: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: 54].
بعض أهل العلم يتحاشى لفظ الإيجاب، ويعبر بأنه حق تفضل الله به، لا أنه حق إيجاب، هو ليس هذا بلازم، لأن الذي
أوجبه هو الله تبارك وتعالى على نفسه، وهو عز وجل لا يخلف الميعاد.
في قوله: لا يعذب من لا يشرك به شيئا في آية الأنعام، النهي عن الشرك يستلزم تحقيق التوحيد.




































































































ليست هناك تعليقات: