الباب الأول : المياه ( الجزء الأول )
للشيخ صالح أل فوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.أولاً : أهمية الطهارة
1- عناية الإسلام بالطهارة:
قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فى مستهل دعوته : (( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ )) [المدثر: 4].وقال صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ )) [ رواه مسلم 223 من حديث أبى مالك الأشعرى ]
2- محبة الله سبحانه للمتطهرين:
قال الله تعالى: (( إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )) [البقرة: 222].
3- ثناؤه على المتطهرين:
قال سبحانه وتعالى : (( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ )) [التوبة: 108].
ثانيًا: تعريف الطهارة وأقسامها
تعريف الطهارة
الطهارة لغة: النزاهة والنظافة من الأدناس والأوساخ
الطهارة اصطلاحا: رفع الحدث وما في معناه، وزوال الخبث
فالطهارة تطلق على معنيين:
أحدهما: زوال الخبث وهو النجاسة، والمقصود منه: طهارة البدن والثوب والمكان.
والثاني: رفع الحدث (والمقصود منه: الطهارة بالوضوء، والغسل)، وما في معنى رفع الحدث وهو كل
طهارة لا يحصل بها رفع الحدث، أو لا تكون عن حدث (كطهارة من به سلس بول أو تجديد الوضوء، وغسل
اليدين بعد القيام من نوم الليل).
أقسام الطهارة
أ- باعتبار محلها: وتنقسم إلى قسمين ( من الشرح الممتع لإبن عثيميين )الأول: الطهارة الباطنة: وهي طهارة القلب من الشرك، والغل والبغضاء لعباد الله المؤمنين وهي أهم
من طهارة البدن، بل لا يمكن أن تقوم طهارة البدن الشرعية مع وجود نجس الشرك.
- قال تعالى: (( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ )) [التوبة: 28].
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إنَّ المؤمنَ لا يَنجُسُ)) [ رواه البخارى 285 ومسلم 371 ]
الثانى : الطهارة الحسية وهي الطهارة من الأحداث والأنجاس.ب- باعتبار نوعها:
النوع الأول: الطهارة من الحدث
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الطهارة الكبرى: وهي الغسل.
الثاني: الطهارة الصغرى: وهي الوضوء.
الثالث: طهارة بدل منهما: وهي التيمم.
والنوع الثاني: الطهارة من الخبث
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: طهارة غسل.
الثاني: طهارة مسح.
الثالث: طهارة نضح
ثالثا: تعريف الحدث وأقسامه
تعريف الحدث
الحدَث لغة: من الحدوث، وهو الوقوع والتجدد، وكون الشيء بعد أن لم يكن، ويأتي بمعنى الأمر
الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف، ومنه محدثات الأمور
الحدث اصطلاحا: وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها، مما تشترط له الطهارة
أقسام الحدث
ينقسم الحدث إلى نوعين:
النوع الأول: الحدث الأصغر وهو ما يجب به الوضوء، كالبول والغائط، وخروج الريح.
والنوع الثاني: الحدث الأكبر، وهو ما يجب به الغسل، كمن جامع أو أنزل.
اختلف أهل العلم في أقسام المياه على أقوال، أقواها أهمها قولان:
القول الأول:
أن الماء ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة في الجملة
الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة
الأدلة:
أولا: من السنة:
- عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم
سئل عن ماء البحر فقال: ((هو الطَّهورُ ماؤُه)) [رواه أبو داوود 83 والترمذى 69 ]
وجه الدلالة:
أن الصحابة يعلمون أن ماء البحر طاهر وليس نجسا بلا شك فسؤالهم إنما كان عن تطهير ماء البحر
لا عن طهارته، وهذا يدل على أن هناك ماء طاهرا ليس بطهور
ثانيًا:
أحاديث النهي عن الاغتسال في الماء الراكد
كحديث أبى هريرة فى الصحيحين مرفوعا [لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم الذى لا يجرى ثم يغتسل منه]
والنهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها لمن قام من النوم
عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا أسيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل
أن يدخلها فى وضوئه فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده ] [رواه البخارى 162 ومسلم 278 ]
وجه الدلالة منها:
أن هذه المياه مع كونها ليست نجسة، إلا أنه قد ورد النهي عن الاغتسال فيها، فدل على أنه يوجد نوع من الماء
ليس بنجس ولا يمكن التطهر به، وهو الطاهر.
القول الثاني:
أن الماء قسمان فقط: طهور ونجس، وهو محكي عن بعض الحنفية، وهو اختيار ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين
الأدلة:
أولا: من الكتاب:
1- قوله تعالى: (( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا )) [الفرقان: 48].
2- قوله تعالى: (( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ))[الأنفال: 11].
ثانيًا: من السنة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسه شيءٌ)) [رواه أبوداوود فى السنن 66 والترمذى فى السنن 66]
وجه الدلالة من الآيتين والحديث:
أن اسم الماء مطلق في الكتاب والسنة، ولم يرد فيهما تقسيمه إلى: طهور وطاهر، فهذا التقسيم مخالف
للكتاب والسنة، ولا أصل له في الشريعة، إذ لو كان القسم الطاهر ثابتا بالشرع، لكان أمرا معلوما مفهوما
تأتي به الأحاديث البينة الواضحة لأن الحاجة تدعو إلى بيانه، وليس بالأمر الهين إذ يترتب عليه:
إما أن يتطهر بماء أو يتيمم
ثالثا : أن الماء إما أن يبلغ اختلاط الطاهر به إلى حد زوال وصف الماء عنه فلا يكون ماء مطلقا
وإما ألا يبلغ به ذلك فيجوز التطهر به، يدل على ذلك ما جاء عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت:
دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال:
[ اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن فى الآخرة كافورا أوشيئا من كافور
فإذا فرغتن فاذننى ][ رواه البخارى 1253 ورواه مسلم 939 ]
فهذا ماء مختلط، ولكنه لم يبلغ من الاختلاط بحيث يسلب عنه اسم الماء المطلق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق