09‏/05‏/2012

سلسلة إيمانية



أخلاق النبي صل الله عليه وسلم الجزء الاول

تفريغ نصى لدروس الشيخ محمد حسان من موقع قناة الرحمه

الحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد 
وعلى آله وأصحابه أجمعين.


وبعد فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة والأخوات، وأسأل الله جل وعلا
 الذي جمعنيمع حضراتكم في هذه اللحظات الطيبة على طاعته
 أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته
 إنه ولي ذلك والقادر عليه. أيها الأحبة قد يكون من اليسير جداً أن تنجذب إلى زهرة
وحيدة فريدة وسط صحراء مقفرة، لكن ماذا أنت صانع لو وقفت في بستان ماتعٍ مليءٍ
بالزهور والرياحين التي تعددت ألوانها، وتنوعت أشكالها، وشدك عبيرها، فأنت تنتقل 
من زهرة إلى زهرة لتقف في غاية المتعة واللذة والسعادة والسرور ذلكم البستان الماتع
هو بستان أخلاق الحبيب صل الله عليه وسلم، فها نحن ننتقل من خلق إلى خلق، وتتصور
وأنت تتحدث عن خلق واحدٍ من أخلاق الحبيب صل الله عليه وسلم أن هذا الخلق هو الأبرز.
 فإذا ما أنهيت الحديث على قدر ما منّ الله به عليك من علم وفضل، وانتقلت
من هذا الخلق للحديث عن خلق آخر؛ وجدت نفسك في بستان ماتع آخر، وهكذا.

هدى النبى صل الله عليه وسلم فى الرفق بالحيوان

الرسول صل الله عليه وسلم آية من آيات الله جل وعلا، وعجيبة من عجائب الكون
 ولا ينبغي على الإطلاق أن نجهل أو نتجاهل هذا التاريخ المشرق المضيء
 لأننا نعيش الآن زماناً قد انحرفت فيه الموازين، وتغيرت فيه الحقائق وتبدلت.
 فنسمع الآن من يزعم أن الغرب هو أول من أصَّل وأسس جمعيات الرفق بالحيوان
 ونحن لا ننكر أن الغرب يفعل ذلك الآن، لكن لا يجوز البتة أن يدعي أحد
أن الغرب أسبق منا في هذا الأمر، فإن أول من أصَّل وأسس الرفق بالحيوان هو الرحمة المهداة
 والنعمة المسداة، محمد صل الله عليه وسلم. تدبروا جميعاً هذه الكلمات النبوية الرقراقة
 روى مسلم من حديثشداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: 
(إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة
 وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته). 
إلى هذا الحد (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)
ليس من الرحمة أبداً أن تأتي بشاةٍ لتذبحها على مرأى ومسمع
من مجموعةٍ أخرى من الأغنام، فهذا ليس من الرحمة، ونرى هذا المشهد
 في كل عيدمن أعياد الأضحى في الشوارع والطرقات. ترى الرجل من إخواننا
يقدم الشاة ليذبحها على مرأى ومسمعٍ من بقية الأغنام
 والرسول صل الله عليه وسلم يقول:
 (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)
وأود أن أنبه بأنكم إذا وجدتم مخالفةً؛ فلا ينبغي أن ننسب المخالفة لمنهج النبي صل الله عليه وسلم
 ولا لدينه، وإنما المخالفة تنسب لنا؛ لأننا نحن الذين انحرفنا عن منهج
رسول الله وعن خلق رسول الله صل الله عليه وسلم 

بغي تدخل الجنة في كلب سقته

الحبيب صل الله عليه وسلم أخبرنا أن بغياً -زانية من زواني بني إسرائيل
 دخلت الجنة في كلب، وأن امرأة دخلت النار في هرة والحديثان في الصحيحين 
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صل الله عليه وسلم قال: 
(بينما بغي من بغايا بني إسرائيل تمشي، فمرت على بئر ماء فشربت
 وبينما هي كذلك مر بها كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فعادت إلى بئر الماء
 فملأت موقها، -أي: خفها- ماءً، فسقت الكلب فغفر الله لها)
كلب عطشان، وهي امرأة زانية، لكنها رحمته فغفر الله لها.
يقول المصطفى الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صاحب الخلق العظيم: (فغفر الله لها)
 الله أكبر ديننا هو دين الرحمة، والرحمة في ديننا ليست بالإنسان فحسب
 بل حتى بالحيوان بالكلاب بالقطط بالعصافير؛ قارن هذه بالقسوة
 والغلظة، والفظاظة التي نراها الآن في زماننا، وفي عالمنا المادي الوحشي القاسي
 قارن بين هذه المعاني الرقراقة؛ تشعر أننا نعيش في زمانٍ آخر، وفي عالم آخر.
أنت ترى الآن عالماً دمغ بالقسوة، عالم قاسٍ، عالم منّ الله عز وجل عليه بهذه التكنولوجيا
 وبهذا العلم، وبهذه المخترعات، ليحولها هذا العالم إلى وسائل إبادة للجنس البشري
 فما من يوم يمر علينا إلا وترى الدماء تسفك، وترى الأشلاء تمزق في كل مكان على وجه الأرض
 عالم مجنونٌ بالفعل، يصنع القنبلة، والصاروخ، والطائرة، ليدمر المصانع
 ليحرق المزارع ليهلك الحرث والنسل. يبيد الجنس البشري
 ثم بعد ذلك تراه يدعو أهل الفضل وأهل الخير هنا وهنالك لجمع التبرعات
 لإعادة التشييد والتعمير، عالم غريب عجيب
 النبي صل الله عليه وسلم يخبرنا أن زانية من زواني بني إسرائيل دخلت الجنة
 لأنها رحمت كلباً فغفر الله عز وجل لها بذلك. أقول: إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا
 فكيف تصنع الرحمة بمن وحد رب البرايا؟ أعيدها مرة ثانية وثالثة:
 إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا، فكيف تصنع الرحمة بمن وحد رب البرايا؟
كيف يكون فضل الله عليك أيها الطبيب إن رحمت مريضاً؟
كيف يكون فضل الله عليكِ أيتها الطبيبة والممرضة إن رحمت مريضاً أو مريضة؟
كيف يكون فضل الله عليك إن رحمت فقيراً، أو أرملةً، أو يتيماً، أو مسكيناً، أو طفلاً؟
هذه رحمة الله بالبغي التي رحمت كلباً، فكيف تكون رحمةُ الله جل وعلا لمن رحم مسلماً
 مؤمناً، موحداً، فقيراً، مستضعفاً، يتيماً؟ انظر إلى فضل الله
حبذا لو أطلنا النفَس مع هذه المعاني الرقراقة؛ لتفيء أمتنا والعالم
إلى هذه اللمحات واللمسات الرقيقة المحمدية النبوية.
 

امرأة دخلت النار في هرة

في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صل الله عليه وسلم قال: 
( دخلت إمرأة النار فى هره ) أي: في قطة.
انظر بغي تدخل الجنة في كلب، وامرأة تدخل النار في قطة، لماذا؟ قال صل الله عليه وسلم: 
( حبستها أى حبست القطه ولم تطعمها ولم تدعها تاكل من حشحاش الارض )
 فلم تقدم لها الطعام والشراب، ولم تطلقها لتأكل من رزق الله في أرض الله جل وعلا فدخلت النار.
 فالأمر في غاية الخطورة. فو الله ما صلى المصلون، وما وحد الموحدون، وما زكى المزكون
 وما حج الحاجُّون، وما خاف الخائفون، وما قام القائمون، وما ابتعد عن الحرام المبتعدون
 إلا من أجل أن يفوزوا بالجنة، ومن أجل أن ينجيهم الله من النار
 فتختزل هذه القضية العظيمة بهذه البساطة والسهولة في الرحمة. بغيٌ ترحم كلباً
 فيدخلها الله الجنة، ويغفر لها الذنب، وامرأة تقسو على قطة وتعذبها حتى الموت
 وتحرمها من الطعام والشراب، فتدخل النار، ثم بعد ذلك يدعي من يدعي
أنه أول من أصَّل وأسس قضية الرفق بالحيوان كلا، كلا، نحن لا ننكر أنهم يفعلون ذلك
 لكن ينبغي أن تعلم أمتنا، وينبغي أن يعلم العالم كله أن محمداً صل الله عليه وسلم أخبرنا
 أن بغياً دخلت الجنة في كلبٍ، وأن امرأةً دخلت النار في هرة.
 

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة مخالفيه



مداخلة: ذكرت أن هذا العالم عالم مجنون، تسفك فيه الدماء، وغرور القوة مسيطر تماماً على العالم كله
والأعداء يحاربون بكل ما هو محرم في كل مجال، يقتلون الأطفال، والنساء، والشيوخ
 ويهدمون البيوت، ويحرقون الأشجار، فنريد أن نعرف خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في هذ
 الشيخ: ما شاء الله، هذه لمحةٌ جميلة، وأتمنى أن العالم كله يقرأ التاريخ من جديد
 فما زالت صفحات التاريخ مفتوحة، واسمح لي أن أستهل الجواب على سؤالك الجميل بقولةٍ
لهذا المفكر الشهير بستاف لفن حينما قال: ما عرف العالم في التاريخ القديم والحديث ديناً سمحاً كالإسلام
 وما عرف العالم في التاريخ القديم والحديث فاتحين متسامحين كالمسلمين
 هذه حقيقة. مع أن رؤية الدم تثير الدم، وتحرك الشهوة للانتقام، لكن مع كل ذلك انظر
إلى أخلاق النبي صل الله عليه وسلم، وإلى أخلاق الدين حتى مع الأعداء.
 وأنا أود أن أقول: حينما نتحدث الآن عن خلق الحبيب صلى الله عليه وسلم مع أعدائه
 فنحن لا نريد بذلك أن نتحدث حديثاً ذهنياً بارداً باهتاً، وإنما نود أن نذكر العالم بصفةٍ عامة
 وأمتنا المسلمة بصفةٍ خاصة، بأنه لا قيمة لهذه الأخلاق إلا إذا تحولت في حياتنا
من جديد إلى واقع عملي ومنهج حياة، وإلا فسيظل هذا المنهج المشرق حبراً على الورق.
النبي صل الله عليه وسلم استطاع أن يقيم للإسلام دولة، واستطاع أن يربي جيلاً قرآنياً فريداً
 لم ولن تعرف البشرية له مثيلاً، وذلك يوم أن نجح بطبع عشرات الآلاف من النسخ
من المنهج التربوي الإسلامي الخلقي، لكنه صل الله عليه وسلم لم يطبعها بالحبر
على صحائف الورق، وإنما طبعها على صحائف قلوب أصحابه بمداد من التقى
والهدى والنور فحولوا هذه الأخلاق النبوية العظيمة في حياتهم إلى واقع عملي ومنهج حياة
 

ليست هناك تعليقات: