وإذا نصحوا ليكفوا عن الإفساد في الأرض بالكفر والمعاصي
وإفشاء أسرار المؤمنين وموالاة الكافرين قالوا
كذبا وجدالا إنما نحن أهل الإصلاح.
إن هذا الذي يفعلونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد
لكنهم بسبب جهلهم وعنادهم لا يحسون.
وإذا قيل للمنافقين: آمنوا مثل إيمان الصحابة وهو الإيمان
بالقلب واللسان والجوارح جادلوا وقالوا:
أنصدق مثل تصديق ضعاف العقل والرأي
فنكون نحن وهم في السفَه سواء؟
فرد الله عليهم بأن السفَهَ مقصور عليهم
وهم لا يعلمون أن ما هم فيه هو الضلال والخسران.
هؤلاء المنافقون إذا قابلوا المؤمنين قالوا:
صدقنا بالإسلام مثلكم وإذا انصرفوا وذهبوا
إلى زعمائهم الكفرة المتمردين على الله أكدوا لهم أنهم
على ملة الكفر لم يتركوها وإنما كانوا
يستخفون بالمؤمنين ويسخرون منهم.
الله يستهزئ بهم ويمهلهم ليزدادوا ضلالا
وحيرة وترددا ويجازيهم على استهزائهم بالمؤمنين.
أولئك المنافقون باعوا أنفسهم في صفقة خاسرة
فأخذوا الكفر وتركوا الإيمان فما كسبوا شيئ
ا بل خسروا الهداية. وهذا هو الخسران المبين.
حال المنافقين الذين آمنوا ظاهرا لا باطنا برسالة
محمد صل الله عليه وسلم ثم كفروا فصاروا يتخبطون
في ظلمات ضلالهم وهم لا يشعرون ولا أمل لهم في الخروج منها
تشبه حال جماعة في ليلة مظلمة وأوقد أحدهم نارا
عظيمة للدفء والإضاءة فلما سطعت النار وأنارت ما حوله
انطفأت وأعتمت فصار أصحابها في ظلمات
لا يرون شيئا ولا يهتدون إلى طريق ولا مخرج.
هم صم عن سماع الحق سماع تدبر بكم عن النطق به
عمي عن إبصار نور الهداية لذلك لا يستطيعون
الرجوع إلى الإيمان الذي تركوه واستعاضوا عنه بالضلال.
أو تشبه حال فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة
ويشكون فيه تارة أخرى حال جماعة يمشون في العراء
فينصب عليهم مطر شديد تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض
مع قصف الرعد ولمعان البرق والصواعق المحرقة
التي تجعلهم من شدة الهول يضعون أصابعهم في آذانهم
خوفا من الهلاك والله تعالى محيط بالكافرين لا يفوتونه ولا يعجزونه.
يقارب البرق من شدة لمعانه أن يسلب أبصارهم
ومع ذلك فكلما أضاء لهم مشوا في ضوئه
وإذا ذهب أظلم الطريق عليهم فيقفون في أماكنهم.
ولولا إمهال الله لهم لسلب سمعهم وأبصارهم
وهو قادر على ذلك في كل وقت إنه على كل شيء قدير.
نداء من الله للبشر جميعا: أن اعبدوا الله الذي رباكم بنعمه
وخافوه ولا تخالفوا دينه فقد أوجدكم من العدم
وأوجد الذين من قبلكم لتكونوا من المتقين
الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
ربكم الذي جعل لكم الأرض بساطا لتسهل حياتكم عليها
والسماء محكمة البناء وأنزل المطر من السحاب
فأخرج لكم به من ألوان الثمرات وأنواع النبات رزقا لكم
فلا تجعلوا لله نظراء في العبادة وأنتم تعلمون
تفرده بالخلق والرزق واستحقاقه العبودية.
وإن كنتم أيها الكافرون المعاندون في شك من القرآن
الذي نَزلناه على عبدنا محمد صل الله عليه وسلم
وتزعمون أنه ليس من عند الله فهاتوا سورة
تماثل سورة من القرآن واستعينوا بمن تقدرون
عليه مِن أعوانكم إن كنتم صادقين في دعواكم.
فإن عجزتم الآن وستعجزون مستقبلا لا محالة
فاتقوا النار بالإيمان بالنبي صل الله عليه وسلم
وطاعة الله تعالى. هذه النار التي حطَبها
الناس والحجارة أُعدت للكافرين بالله ورسله
وأخبر أيها الرسول أهل الإيمان والعمل الصالح
خبرا يملؤهم سرورا بأن لهم في الآخرة حدائق عجيبة
تجري الأنهار تحت قصورها العالية وأشجارها الظليلة.
كلما رزقهم الله فيها نوعا من الفاكهة اللذيذة قالوا:
قد رزقَنا الله هذا النوع من قبل فإذا ذاقوه وجدوه
شيئا جديدا في طعمه ولذته وإن تشابه مع سابقه
في اللون والمنظر والاسم. ولهم في الجنات زوجات مطهرات
من كل ألوان الدنس الحسيِ كالبول والحيض
والمعنوي كالكذب وسوء الخلق. وهم في الجنة
ونعيمها دائمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها.
إن الله تعالى لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا ما قلَ أو كثر
ولو كان تمثيلا بأصغر شيء كالبعوضة والذباب ونحو ذلك
مما ضربه الله مثلا لعجز كل ما يعبد من دون الله.
فأما المؤمنون فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه
وأما الكفار فَيسخرون ويقولون: ما مراد الله مِن ضرب المثل
بهذه الحشرات الحقيرة؟ ويجيبهم الله بأن المراد هو الاختبار
وتمييز المؤمن من الكافر لذلك يصرف الله بهذا المثل ناسا كثيرين
عن الحق لسخريتهم منه ويوفق به غيرهم إلى مزيد من الإيمان والهداية.
والله تعالى لا يظلم أحدا لأنه لا يصرِف عن الحق إلا الخارجين عن طاعته.
الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة
وقد أكَده بإرسال الرسل وإنزال الكتب ويخالفون دين الله
كقطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض
أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
كيف تنكرون أيها المشركون وحدانية الله تعالى
وتشركون به غيره في العبادة مع البرهان القاطع عليها في أنفسكم؟
فلقد كنتم أمواتا فأوجدكم ونفخ فيكم الحياة ثم يميتكم بعد انقضاء آجالكم
التي حددها لكم ثم يعيدكم أحياء يوم البعث ثم إليه ترجعون للحساب والجزاء.
اللهُ وحده الذي خلق لأجلكم كل ما في الأرض من النعم
التي تنتفعون بها ثم قصد إلى خلق السموات فسواهن
سبع سموات وهو بكل شيء عليم فعلمه سبحانه محيط بجميع ما خلق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق