أم عمار ... أول شهيدة فى الآسلام
بقلم الدكتورة : خديجة النبراوى
أستاذ التاريخ الآسلامى بجامعة الآزهر
كان ياسر بن عامر العفسى رجلا من خيار أهل اليمن ، وفد إلى مكة مع الوافدين من التجار وغيرهم باحثا عن شقيقه
الذى طالت غيبته لعله يجده هناك ، حيث أنها مركز تجمع
القوافل القادمة من كل مكان و هى أيضا مقصد للحجيج ، فطال مقامه و هو ينتظر أخاه و حالف أبا حذيفة بن المغايرة سيد بنى مخزوم لكى يعتز به عند أهل مكة ، فقبله أبو حذيفة و أنزلة فى رحابه معززا مكرما لما رأى فيه من طلاقة الوجه و سماحة النفس و حبه لشقيقه الذى جاء من أجله مكة ليكون فى أنتظاره و إن طال الآمد .
ورأى ياسر سمية بنت الخياط فوقع حبها فى قلبه و خطبها من سيدها أبى حذيفة ، فأعتقها وزوجها له وبنى لهما بيتا قريبا منه فسكنا فيه و أنجبا عمارا و عبد الله ، و نسى الناس أو تناسوا أن سمية قد أعتقها سيدها حين زوجها لياسر
و صارت حرة طليقة وهذا التناسى كان سببا فى تعذيبها
و تعذيب زوجها وولديها حين دخلوا فى الآسلام ، ولكن صبر سمية و أسرتها كان مثلا رائعا من أمثلة التضحية و الفداء
و الصبر على الشدائد مهما عظمت وأستفحلت فى سبيل عقيدة التوحيد الخالص من كل شوائب الشرك
و كان النبى صلى الله عليه وسلم ـ يحزن حزنا شديدا حين يراهم يع يعذبون بأبشع أنواع التعذيب فى حر مكة تحت الشمس المحرقة ، فيدعو لهم و يقوى عزائمهم و يثبت قلوبهم بكلمات تفيض عطفا و حنانا فيزدادون قوة و إيمانا على إيمانهم .
عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ مر بعمار
و اهله وهم يعذبون فقال : ( أبشروا أل عمار و أل ياسر فموعدكم الجنة ) إنها أعظم بشرى كانوا ينتظرونها من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يهون فى طلبها العذاب مهما عظم ، وياتى أبو جهل لعنه الله إلى سمية وهى عجوز قد أسنت
و نحل جسمها ووهن عظمها فيضربها ضربا مبرحا لترجع عن دينها فلا يزيدها هذا التعذيب إلا تمسكا بهذا الدين الذى هو عصمة أمرها و سبيل نجاتها من عذاب الله فى أخرتها ، ظل يعذبها حتى فارقت الحياة بضربة فى قلبها من رمحه فباء بخسران الدنيا و الآخرة و نالت هى رضوان ربها وخلد التاريخ ذكراها فى انصع صفحاته ، وزوجها ياسر مات قبلها بقليل و هو يرزح تحت وطأة العذاب و شدته .
فسلام على سمية و أل بيتها فى العالمين و سلام على كل
من سار على دربهم من المؤمنين .
و صدق الله العظيم إذ يقول { و كأين من نبى قاتل معه ربيون كثيرون فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا و ما أستكانوا و الله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا إن قالوا ربنا اغفرلنا ذنوبنا و أسرفنا فى أمرنا و ثبت أقدمنا و انصرنا على القوم الكافرين فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة و الله يحب المحسنين }
{ أل عمران : 146 ـ 148 }
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق